كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

79 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَامِرٍ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ، يَقُولُ فِي كَلاَمِهِ: إِلَى مَتَى نَقُولُ: غَدًا أَفْعَلُ كَذَا، وَبَعْدَ غَدٍ أَفْعَلُ كَذَا، وَإِذَا أَفْطَرْتُ فَعَلْتُ كَذَا، وَإِذَا قَدِمْتُ مِنْ سَفَرِي فَعَلْتُ كَذَا؟ أَغَفَلْتَ سَفَرَكَ الْبَعِيدَ، وَنَسِيتَ مَلَكَ الْمَوْتِ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً تُخْتَرَمُ فِيهَا أَنْفَسٌ كَثِيرَةٌ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ غَيْرُ مُنْتَظِرٍ بِكَ أَمَلَكَ الطَّوِيلِ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْمَوْتَ غَايَةُ كُلِّ حَيٍّ؟ قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ عِمَامَتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَمَا رَأَيْتَهُ صَرِيعًا بَيْنَ أَحْبَابِهِ لاَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ جَوَابِهِمْ، بَعْدَ أَنْ كَانَ جَدِلاً خَصِمًا، سَمْحًا كَرِيمًا عَلَيْهِمْ؟ أَيُّهَا الْمُغْتَرُّ بِشَبَابِهِ، أَيُّهَا الْمُغْتَرُّ بِطُولِ عُمْرِهِ. قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ عِمَامَتَهُ.
80 - وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، ابْنُ آدَمَ إِنَّمَا يَتَعَجَّلُ أَفْرَاحَهُ بِكَاذِبِ آمَالِهِ، وَلاَ يَتَعَجَّلُ أَحْزَانَهُ بِأَعْظَمِ أَخْطَارِهِ.
81 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ ضَيْغَمٍ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَبِي يُنْشِدُ، مِنَ الشِّعْرِ شَيْئًا إِلاَّ هَذِهِ الأَبْيَاتِ:
قُلْ لِلْمُؤَمِّلِ وَالْمَنَايَا شُرَّعُ ... مَاذَا يَغُرُّكَ يَا ابْنَ مَنْ لَمْ يَخْلُدِ
يَا ابْنَ الَّذِينَ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُمْ ... تَرْجُو الْبَقَاءَ وَأَنْتَ غَيْرُ مُخَلَّدِ
وَأَبُوكَ مَالِكُ كَانَ يَأْمُلُ مَا تَرَى ... حَتَّى أَتَتْهُ مَنِيَّةٌ لَمْ تُرْدَدِ.
قَالَ: فَإِذَا قَالَهَا، بَكَى وَأَبْكَى.

الصفحة 51