كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

93 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ رُبَّمَا تَمَثَّلَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
تَعَلَّقْتَ بِآمَالٍ طِوَالٍ أَيَّ آمَالِ ... وَأَقْبَلْتَ عَلَى الدُّنْيَا مُلِحًّا أَيَّ إِقْبَالِ
فَيَا هَذَا تَجَهَّزْ لِفِرَاقِ الأَهْلِ وَالْمَالِ ... فَلاَبُدَّ مِنَ الْمَوْتِ عَلَى حَالٍ مِنَ الْحَالِ.
94 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُصْلِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي جِنَازَةٍ بِالْكُوفَةِ، وَخَرَجَ فِيهَا دَاوُدُ الطَّائِيُّ، فَانْتَبَذَ مَقْعَدَ نَاحِيَةٍ وَهِيَ تُدْفَنُ، فَجِئْتُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ خَافَ الْوَعِيدَ قَصُرَ عَلَيْهِ الْبَعِيدُ، وَمَنْ طَالَ أَمَلُهُ ضَعُفَ عَمَلُهُ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَاعْلَمْ أَيْ أَخِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَشْغَلُكَ عَنْ رَبِّكَ فَهُوَ عَلَيْكَ مَشْئُومٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، إِنَّمَا يَنْدَمُونَ عَلَى مَا يُخَلِّفُونَ، وَيَفْرَحُونَ بِمَا يُقَدِّمُونَ، مِمَّا عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُبُورِ نَدِمُوا أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَيْهِ يَقْتَتِلُونَ، وَفِيهِ يَتَنَافَسُونَ، وَعَلَيْهِ عِنْدَ الْقُضَاةِ يَخْتَصِمُونَ.
95 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْقَسْرِيُّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ رَجُلاً صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْهِ عُمَرُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ، وَدَفَنَهُ، فَقَلَّ يَوْمٌ إِلاَّ كَانَ عُمَرُ، يَتَمَثَّلُ يَقُولُ:
وَبَالِغِ أَمْرٍ كَانَ يَأْمُلُ دُونَهُ ... وَمُخْتَلِجٍ مِنْ دُونِ مَا كَانَ يَأْمُلُ.
96 - حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: كَتَبَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ: أَنْ رُمَّ جِهَازَكَ، وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ أَوْصِيَاءَكَ الرِّجَالَ.

الصفحة 54