كتاب المطر والرعد والبرق والريح لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

29 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنِي زَحْرُ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مَنْهَبٍ قَالَ: قَالَ عَمِّي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بن لام يحَدَّثَ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ بِنْتِ أَبِي صيفِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، قَالَتْ: تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُونَ أَقْلَحَتِ الضَّرْعَ، وَأَدَقَّتِ الْعَظْمَ، فَبَيْنَما أَنَا قائمة, اللهُمَّ أَوْ مَهْمُومَةٌ، إِذَا هَاتِفٌ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ قَدْ أَظَلَّتْكُمْ أَيَّامُهُ، وَهَذَا إِبَانُ نُجُومِهِ، فَحَيَّهَلاَ بِالْحَيَاءِ وَالْخِصْبِ، أَلاَ فَانْطرُوا رَجُلاً مِنْكُمْ وَسِيطًا، عِظَامًا، جِسَامًا، أَبْيَضَ بضًا، أَوْطَفَ الأَهْدَابِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، أَشَمَّ الْعِرْنِينِ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظُمُ عَلَيْهِ، وَسُنَّةٌ تَهْدِي إِلَيْهَا، فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ, وَلْيَهْبِطْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَلْيُشِنُّوا مِنَ الْمَاءِ، وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ، ثُمَّ ليَسْتَلِمُوا الرُّكْنَ، ثُمَّ لَيَرْتقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ، فليَسْتَسقِي الرَّجُلُ وَلْيُؤَمِّنِ الْقَوْمُ، فَغِثْتُمْ مَا شِئْتُمْ، فَأَصْبَحْتُ عَلِمَ اللَّهُ، مَذْعُورَةً، قد اقْشَعَرَّ جِلْدِي، وَوَلِهَ عَقْلِي، وَاقْتَصَصْتُ رُؤْيَايَ، فَوَالْحُرْمَةِ وَالحرمِ، مَا بَقِيَ بِهَا أَبْطَحِيُّ, إِلاَّ قَالَ: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ، وَتَنَامَتْ إِلَيْهِ رِجَالاَتُ قُرَيْشٍ، وَهَبَطَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ, فَشَنُّوا، وَمَسُّوا، وَاسْتَلَمُوا، ثُمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ, وَطَفِقُوا جَانبِيهُ مَا يَبْلُغُ سَعْيُهُمْ مَهْلَهُ, حَتَّى إِذَا اسْتَوَوْا بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلاَمٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرُبَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ، وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ، أَنْتَ مُعَلِّمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُبْخِلٍ، وَهَذِهِ عَبْدَاؤُكَ وَإِمَاؤُكَ بِعَذَرَاتِ حَرَمِكَ، يَشْكُونَ إِلَيْكَ سَنَتَهُمْ، أَذْهَبَتِ الْخُفَّ وَالظِّلْفَ، اللَّهُمَّ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا غَيْثًا مُغْدِقًا مُرِيعًا، فَوَرَبِّ الْكَعْبَةِ مَا رَامُوا حَتَّى تَفَجَّرَتِ السَّمَاءُ بِمَا فِيهَا، وَاكْتَظَّ الْوَادِي بِثَجِيجِهِ, فَسَمِعْتُ شِيخَانَ قُرَيْشٍ وَجِلَّتَهَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جُدْعَانَ، وَحَرْبَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَهِشَامَ بْنَ الْمُغِيرَةِ يَقُولُونَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَنِيئًا لَكَ يَا أَبَا الْبَطْحَاءِ, أَيْ عَاشَ بِكَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ فَفِي ذَلِكَ تَقُولُ رُقَيْقَةُ:
بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَى اللَّهُ بَلْدَتَنَا ... وَقَدْ فَقَدْنَا الْحَيَاةَ وَاجْلَوَّذَ الْمَطَرُ
فَجَادَ بِالْمَاءِ جُوِنِيُّ لَهُ سُبُلٌ ... سَحًّا فَعَاشَتْ بِهِ الأَنْعَامُ وَالشَّجَرُ
مَنًّا مِنَ اللهِ بِالْمَيْمُونٍ طَائِرُهُ ... وَخَيْرِ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ
مُبَارَكُ الأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الأَنَامِ لَهُ عِدْلٌ وَلاَ خَطَرُ

الصفحة 548