كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

97 - حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْعَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ سُلَيْمٍ الصُّورِيِّ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ أَصْبَحْتَ تُجَدِّدُ الدُّنْيَا بِطُولِ أَمَلِكَ، وَتَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِيَّ بِسُوءِ فِعْلِكَ، وَإِنَّمَا نُصِرْتَ حَدِيدًا بَارِدًا، وَالسَّلاَمُ.
98 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: احْذَرْ طُولَ الأَمَلِ، فَإِنَّهُ سَبَبُ هَلاَكِ الأُمَمِ، وَلاَ تَدْفَعِ الْوَاجِبَ بِالْبَاطِلِ فَيُدَالَ مِنْكَ سَرِيعًا، وَكُنْ فِي وَقْتِ الرِّحْلَةِ إِلَى الآخِرَةِ تَغْتَبِطْ بِالْعَافِيَةِ، وَقَصِّرْ رَغْبَتَكَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ مُدَّتَكَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، وَالْمَوْتَ وَارِدٌ عَلَيْكَ، وَحَاسِبْ سَاعَاتِكَ، فَمَا كَانَ لَكَ مِنَ الْحَظِّ مِنْهَا فَاعْمَلْ بِهِ، وَمَا ظَنَنْتَ عَوَاقِبُهُ فَعَجِّلِ الإِقْلاَعَ عَنْهُ، وَلاَ تَأْنَسْ بِمَا شَغَلَكَ عَنْ صَلاَحِ نَفْسِكَ، وَتَوَهَّمْ - إِنْ كُنْتَ نَاصِحًا لِنَفْسِكَ - أَنَّكَ فِي قَبْرِكَ قَبْلَ حُلُولِكَ بِهِ، لِيَسْقُطَ عَنْكَ فُضُولُ الدُّنْيَا، وَمَا لاَ حَاجَةَ لَكَ بِهِ.
99 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَقِيقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: كَمْ تَجِيءُ وَتَذْهَبُ فِي حَوَائِجِكَ، وَكَأَنَّكَ فِي اللَّحْدِ.
100 - أَنْشَدَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: وَأَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
يَأْمُلُ الْمَرْءُ أَبْعَدَ الآمَالِ ... وَهُوَ رَهْنٌ بِأَقْرَبِ الآجَالِ
لَوْ رَأَى الْمَرْءُ رَأْيَ عَيْنَيْهِ يَوْمًا ... كَيْفَ صَوْلُ الآجَالِ بِالآمَالِ.
لَتَنَاهَى وَقَصَّرَ الْخَطْوَ فِي اللَّهْوِ ... وَلَمْ يَغْتَرَّ بِدَارِ الزَّوَالِ
نَحْنُ نَلْهُو وَنَحْنُ تُحْصَى عَلَيْنَا ... حَرَكَاتُ الِإِدْبَارِ وَالإِقْبَالِ
فَإِذَا السَّاعَةُ الْخَفِيَّةُ حُمَّتْ ... لَمْ يَكُنْ عَثْرُ عَاثِرٍ بِمُقَالِ
نَحْنُ أَهْلُ الْيَقِينِ بِالْمَوْتِ ... وَالْبَعْثِ وَعَرْضِ الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ
ثُمَّ لاَ نَرْعَوِي وَقَدْ أَعْذَرَ ... اللَّهُ بِطُولِ الْبَقَا وَالإِمْهَالِ
أَيَّ شَيْءٍ تَرَكْتَ يَا عَارِفًا ... بِاللَّهِ لِلْمُمْتَرِينَ وَالْجُهَّالِ.
تَرْكَبُ الشَّيْءَ لَيْسَ فِيهِ سِوَى ... أَنَّكَ تَهْوَاهُ، فِعْلَ أَهْلِ الضَّلاَلِ
أَنْتَ ضَيْفٌ، وَكُلُّ ضَيْفٍ وَإِنْ ... طَالَتْ لَيَالِيهِ مُؤْذِنٌ بِارْتِحَالِ
لَوْ تَزَوَّدْتَ مِنْ تُقَى اللهِ زَادًا ... وَتَجَنَّبْتَ بَاهِظَ الأَثْقَالِ
أَيُّهَا الْجَامِعُ الَّذِي لَيْسَ يَدْرِي ... كَيْفَ جَوْرُ الأَهْلِينَ وَالأَمْوَالِ
يَسْتَوِي فِي الْحِسَابِ وَالْبَعْثِ ... وَالْمَوْقِفِ أَهْلُ الإِكْثَارِ وَالإِقْلاَلِ
ثُمَّ لاَ يَقْتَسِمُونَ النَّارَ ... وَالْجَنَّةَ إِلاَّ بِسَالِفِ الأَعْمَالِ.

الصفحة 55