كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

158 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنِي مُطِيعُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ، يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَظَرَ لِنَفْسِهِ بَادِرًا فَوْتَهَا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْمَوْتُ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ يَنْزِلُ الْمَوْتُ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَبْكِي.
159 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّهْشَلِيُّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ وَهُوَ يُومِئُ بِرَأْسِهِ يَرْفَعُهُ وَيَضَعُهُ كَأَنَّهُ يُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: إِنَّنِي أُبَادِرُ طَيَّ الصَّحِيفَةِ.
160 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ بَرَّةَ، عَجِبْتُ لِلْخَلاَئِقِ كَيْفَ ذُهِلُوا عَنْ أَمْرٍ حَقٍّ تَرَاهُ عُيُونُهُمْ، وَتَشْهَدُ عَلَيْهِ مَعَاقِدُ قُلُوبِهِمْ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ، ثُمَّ هَاهُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ، سُكَارَى يَلْعَبُونَ.
161 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ: اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَكُونُوا قَوْمًا صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا، وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ، فَاسْتَبْدِلُوا، وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ، وَتَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ، وَإِنَّ غَايَةً تُنْقِصُهَا اللَّحْظَةُ وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ، وَإِنَّ غَائِبًا يَجِدُّ بِهِ الْجَدِيدَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الأَوْبَةِ.
وَإِنَّ قَادِمًا يَحُلُّ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌ لأَفْضَلِ الْعُدَّةِ، فَالتَّقِيُّ عِنْدَ رَبِّهِ مَنْ نَاصَحَ نَفْسَهُ، وَقَدَّمَ تَوْبَتَهُ، وَغَلَبَ شَهْوَتَهُ، فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ، وَالشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا، وَيُزَيِّنُ إِلَيْهِ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْتَكِبَهَا، حَتَّى تَهْجُمَ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا، وَإِنَّهُ مَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلاَّ الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ , فَيَالَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ، أَنْ يَكُونَ عُمْرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً، وَأَنْ تُرْدِيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى شِقْوَةٍ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ لاَ تُبِّطُرُهُ نِعْمَةٌ، وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللهِ مَعْصِيَةٌ، وَلاَ يَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَسْرَةٌ، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، وَإِنَّهُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَإِنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ.

الصفحة 69