كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

195 - ............ ابن السماك يقول في مجلس في آخر كلامه: حتى متى بلغ الواعظون أعلام الآخرة؟! حتى والله لكل نفس ما عليها واقفه وكأن العيون إليها ناظرة، فلا منتبه من نومته ولا مستيقظ من غفلته ولا مفيق من سكرته ولا خائف من صرعته، الرحا للدنيا يجعل للآخرة منك حظا، أقسم بالله لو رأيت القيامة تخفف نزلا لهدأ أهوالها وقد علت النار مشرفة على أهلها، وقد وضع الكتاب ونصب الميزان وجىء بالنبيين والشهداء، ويكون لك في ذلك الجمع منزل وزلفى، أبعد الدنيا إلى غير الآخرة تنتقل؟! هيهات هيهات، كلا والله ولكن صمت الآذان عن المواعظ، وذهلت القلوب عن المنافع، فلا المواعظ تنفع ولا الموعوظ ينتفع بما يسمع.
196 - حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ لِابْنِهِ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ مَنْ خَافَ الْمَوْتَ بَادَرَ الْفَوْتَ، وَمَنْ لَمْ يَكْبَحْ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ أَسْرَعَتْ بِهِ التَّبِعَاتُ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَكَ.
197 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ وَأَنْشَدَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ:
حَيَاتُكَ أَنْفَاسٌ تُعَدُّ ... فَكُلَّمَا مَضَى نَفَسٌ مِنْهَا انْتَقَصْتَ لَهُ جُزْءًا
فَتُصْبِحَ فِي نَقْصٍ وَتُمْسِي بِمِثْلِهِ ... فَمَا لَكَ مَعْقُولٌ تَحُسُّ به رزءا
يُمِيتُكُ مَا يَحُسُّكَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ... وَيَحْدُوكَ حَادٍ لاَ يُرِيدُ بِكَ الْهُزْءَا.

الصفحة 79