كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

222 - حَدَّثَنِي هَارُونُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَتَبَ الْحَسَنُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فَكَأَنَّكَ بِآخِرِ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ قَدْ مَاتَ، فَأَجَابَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فَكَأَنَّكَ بِالدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ، وَبِالآخِرَةِ لَمْ تَزَلْ.
223 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى الأَبَحُّ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، قَالَ لأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مَضْجَعَهُ: أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي الَّتِي لاَ أَقُومُ فِيهَا , فَكَانَ هَذَا دَأَبُهُ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ.
224 - وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ أَبُو عُشَّانَةَ:
يَا بُؤْسَ مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا بِآمَالِهِ ... كَمْ قَدْ تَلاَعَبَتِ الدُّنْيَا بِأَمْثَالِهِ
يُنْشِئُ الْمُلِحُّ عَلَى الدُّنْيَا مَنِيَّتَهْ ... بِطُولِ إِدْبَارِهِ فِيهَا وَإِقْبَالِهْ
وَمَا تَزَالُ صُرُوفُ الدَّهْرِ تُحْثِلُهْ ... حَتَّى تَقْبِضَهُ مِنْ جَوْفِ سِرْبَالِهْ.
225 - وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً السَّلِيمِيَّ، سَأَلَ الْحَسَنَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَكَانَتِ الأَنْبِيَاءُ يَنْشَرِحُونَ إِلَى الدُّنْيَا وَالنِّسَاءِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِاللَّهِ؟، قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ لِلَّهِ تَرَائِكَ فِي عِبَادِهِ، فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَلاَ سَأَلْتُهُ مَا التَّرَائِكُ؟ قَالَ: هِبْتُهُ , فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَقُلْتُ لَهُ: سَلْهُ، فَلَقِيَهُ، فَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَهُ عَطَاءٌ، فَأَخْبَرَهُ، وَسَكَتَ، فَقُلْتُ: سَلْهُ مَا التَّرَائِكُ؟ قَالَ: أَهَابُهُ , فَلَقِيتُ أَبَا عُبَيْدَةَ النَّاجِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَكْفِيكَ، وَأَقْبَلَ مَعِي، فَلَمَّا صِرْنَا عِنْدَ الْحَسَنِ، قَالَ: اعْفُنِي.
فَذَكَرَ الْحَسَنُ يَوْمًا حَدِيثًا، أَنَّ لِلَّهِ تَرَائِكَ فِي خَلْقِهِ: الأَجَلُ، وَالأَمَلُ، وَالنِّسْيَانُ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمْ يَنْشَرِحِ النَّبِيُّونَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِاللَّهِ إِلَى الدُّنْيَا وَالنِّسَاءِ.

الصفحة 85