كتاب قصر الأمل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

266 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيَّ، يَذْكُرُ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ تَنَسَّكَ، ثُمَّ مَالَ إِلَى الدُّنْيَا وَالسُّلْطَانِ، فَبَنَى دَارًا وَشَيَّدَهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَفُرِشَتْ لَهُ، وَاتَّخَدَ مَائِدَةً، وَوَضَعَ طَعَامًا، وَدَعَا النَّاسَ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَنْظُرُونَ إِلَى بُنْيَانِهِ، فَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَدْعُونَ لَهُ وَيَتَفَرَّقُونَ.
قَالَ: فَمَكَثَ بِذَلِكَ أَيَّامًا، حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ، ثُمَّ حَبَسَ نَفَرًا مِنْ خَاصَّةِ إِخْوَانِهِ، فَقَالَ: قَدْ تَرَوْنَ سُرُورِي بِدَارِي هَذِهِ، وَقَدْ حَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنْ أَتَّخِذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِي مِثْلَهَا، فَأَقِيمُوا عِنْدِي أَيَّامًا أَسْتَمْتِعْ بِحَدِيثِكُمْ، وَأُشَاوِرْكُمْ فِيمَا أُرِيدُ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ لِوَلَدِي، فَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَيَّامًا يَلْهُونَ وَيَلْعَبُونَ، وَيُشَاوِرُهُمْ كَيْفَ يَبْنِي لِوَلَدِهِ وَكَيْفَ يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ، قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي لَهْوِهِمْ، إِذْ سَمِعُوا قَائِلاً يَقُولُ مِنْ أَقْصَى الدَّارِ:
يَا أَيُّهَا الْبَانِي النَّاسِي مَنِيَّتَهُ ... لاَ تَأْمَنَنَّ فَإِنَّ الْمَوْتَ مَكْتُوبُ
عَلَى الْخَلاَئِقِ إِنْ سُرُّوا وَإِنْ فَرِحُوا ... فَالْمَوْتُ حَتْفٌ لَدَى الآمَالِ مَنْصُوبُ
لاَ تَبْنِيَنَّ دِيَارًا لَسْتَ تَسْكُنُهَا ... وَرَاجِعْ النسِكَ كيمَا يُغْفَرُ الْحُوبُ.

الصفحة 95