كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 6)

قال القرطبي (¬1): الرفع أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكن في الغرور، من حيث أنه يخبره عن طول الليلُ ثم يأمره بالرُّقاد بقوله: "فارقد" وإذا نُصبَ على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرُّقاد، وحينئذٍ فيكون قوله: "فارقد" ضائعاً، ومقصود الشيطان يدرك تسويفه بالقيام والإلباس عليه.
وقد اختلف في هذا العقد، فقيل: هو على الحقيقة، وأنه كما يعقد الساحر من سحره، وأكثر من يفعله النساء، تأخذ إحداهن الخيط فتعقد فيه عقدة وتتكلم عليه بالسِّحر فيتأثر المسحور عند ذلك (¬2)، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} (¬3).
وعلى هذا؛ فالعقود شيء عند قافية الرأس، وهو العقد في شعر الرأس.
وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره؟ الأقرب الثاني، إذ ليس لكل أحد شعر.
ويؤيد كونه على الحقيقة ما ورد في بعض طرقه: "أن على رأس كل آدمي حبلاً" وفي رواية عن أبي هريرة مرفوعاً: "على قافية [276 ب] رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" وفي معناه أحاديث.
وقيل (¬4): أنه مجاز، شبه فعل الشيطان بالنائم بعقد الساحر بالمسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده, كان هذا مثله من الشيطان للنائم.
¬__________
(¬1) في "المفهم" (2/ 409).
(¬2) إمّا بمرضٍ، أو تخييل، أو تحريك قلب، أو تحزين، أو غير ذلك، فشبه فعل الشيطان بالنائم بفعل السَّواحر، وذلك: أنَّ النائم كُلَّما أراد أن يقوم ليذكر الله، أو يصلي عسَّره وخدَعه، بأن يقول له عليك ليل طويلٌ "فارقد". "المفهم" (2/ 409).
(¬3) سورة الفلق الآية (4).
(¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 25).

الصفحة 16