كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 6)

"تقيل معهم": من القيلولة، وهي النوم في الظهيرة؛ أي: تقيل النار مع المحشورين
"حيث قالوا، وتبيت"؛ أي: النار "معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا"؛ يعني: تلازمهم النار في جميع أحوالهم، بحيث لا تفارقهم أصلًا، ولا يفارقونها، وهم الكفرة.
وقيل: هذا الحشر إنما يكون قبل قيام الساعة أحياء إلى الشام بقرينة قيلولتهم وبيتوتهم؛ لأن هذه الأحوال إنما تكون في الدنيا.
وهذا آخر أشراط الساعة، كما في حديث آخره: "وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن تطرد الناس إلى محشرهم"، فأما الحشر الذي يكون بعد البعث من القبور؛ فعلى خلاف هذه الصفة من ركوب الإبل والمعاقبة عليها، وإنما هو كما أخبر: أنهم يبعثون حفاة عُراة غُرلاً، كما في الحديث التالي.
وقيل: يكون بعد البعث؛ لأن الحشر إذا ذُكِر مطلقًا يُصرَف إلى ما بعد الموت، وهو مختار الإِمام التوربشتي؛ لما رُوِي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفًا مشاة، وصنفًا ركبانًا، وصنفًا على وجوههم"، وكونهم حفاة عراة لا ينافي كونهم ركباناً.
* * *

4287 - وقالَ: "إنَّكم مَحْشورونَ حُفاةً عُراةً غُرْلاً"، ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، "وأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يومَ القِيامةِ إبراهيمُ، وإنَّ ناساً منْ أَصْحابي يُؤْخَذُ بهمْ ذاتَ الشِّمالِ فأقولُ: أَصْحابي، أَصْحابي، فيقولُ: إنَّهُمْ لنْ يَزالوا مُرْتَدِّينَ على أَعْقابهم مُذْ فارَقْتَهُمْ، فأقولُ كما قالَ العَبْدُ الصَّالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ}، إلى قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

الصفحة 27