كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 19 "
بعض المتقدّمين من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله : إيمان ثابت ، ونية صادقة ، وعمل مصيب ، وتلا هذه الآية ) فَأُوْلَئِكَ ( إشارة إلى من اتصف بهذه الأوصاف وراعى معنى من فلذلك كان بلفظ الجمع ، والله تعالى يشكرهم على طاعتهم وهو تعالى المشكور على ما أعطى من العقل وإنزال الكتب وإيضاح الدلائل ، وهو المستحق للشكر حقيقة ومعنى شكرة تعالى المطيع الإثناء عليه وثوابه على طاعته .
الإسراء : ( 20 ) كلا نمد هؤلاء . . . . .
وانتصب ) كَلاَّ ( بنمد والإمداد المواصلة بالشي ، والمعنى كل واحد من الفريقين ) نُّمِدُّ ( كذا قدره الزمخشري : وأعربوا ) هَؤُلاء ( بدلاً من ) كَلاَّ ( ولا يصح أن يكون بدلاً من كل على تقدير كل واحد لأنه يكون إذ ذاك بدل كل من بعض ، فينبغي أن يكون التقدير كل الفريقين فيكون بدل كل من كل على جهة التفصيل . والظاهر أن هذا الإمداد هو في الرزق في الدنيا وهو تأويل الحسن وقتادة ، أي أن الله يرزق في الدنيا مريدي العاجلة الكافرين ، ومريدي الآخرة المؤمنين ويمد الجميع بالرزق ، وإنما يقع التفاوت في الآخرة ويدل على هذا التأويل ) وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا ( أي إن رزقه لا يضيق عن مؤمن ولا كافر .
وعن ابن عباس أن معنى ) مِنْ عَطَاء رَبّكَ ( من الطاعات لمريد الآخرة والمعاصي لمريد العاجلة ، فيكون العطاء عبارة عما قسم الله للعبد من خير أو شر ، وينبوا لفظ العطاء على الإمداد بالمعاصي .
الإسراء : ( 21 ) انظر كيف فضلنا . . . . .
والظاهر أن ) أَنظُرْ ( بصريه لأن التفاوت في الدنيا مشاهد ) وَكَيْفَ ( في موضع نصب بعد حذف حرف الجر ، لأن نظر يتعدى به ، فانظر هنا معلقة . ولما كان النظر مفضياً وسبباً إلى العلم جاز أن يعلق ، ويجوز أن يكون ) أَنظُرْ ( من نظر الفكر فلا كلام في تعليقه إذ هو فعل قلبي . والتفضيل هنا عبارة عن الطاعات المؤدّية إلى الجنة ، والمفضل عليهم الكفار كأنه قيل : انظر في تفضيل فريق على فريق ، وعلى التأويل الأول كأنه قيل في تفضيل شخص على شخص من المؤمنين والكافرين ، والمفضول في قوله : ) أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ( محذوف تقديره من درجات الدنيا ومن تفضيل الدنيا .
وروي أن قوماً من الأشراف ومن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه ، فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمر : وإنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا ، يعني إلى الإسلام فأسرعوا وأبطأنا ، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر . وقرىء أكثر بالثاء المثلثة . وقال ابن عطية : وقوله : ) أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ ( ليس في اللفظ من أي شيء لكنه في المعنى ، ولا بد ) أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ ( من كل ما يضاف بالوجود أو بالفرض ، ورأى بعض العلماء أن هذه الدرجات والتفضيل إنما هو فيما بين المؤمنين . وأسند الطبري في ذلك حديثاً ( أن أنزل أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها وقد أرضى الله الجميع فما يغبط أحد أحداً ) .
الإسراء : ( 22 ) لا تجعل مع . . . . .
والخطاب في ) لاَّ تَجْعَل ( للسامع غير الرسول . وقال الطبري وغيره : الخطاب لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، والمراد لجميع الخلق . ) فَتَقْعُدَ ( قال الزمخشري : من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، بمعنى صارت . يعني فتصير جامعاً على نفسك الذم وما يتبعه من الهلاك من الذل والخذلان والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكاً له انتهى . وما ذهب إليه من استعمال ) فَتَقْعُدَ ( بمعنى فتصير لا يجوز عند أصحابنا ، وقعد عندهم بمعنى صار مقصورة على المثل ، وذهب الفراء إلى أنه يطرد جعل قعد بمعنى صار ، وجعل من ذلك قول الراجز : لا يقنع الجارية الخضاب
ولا الوشاحان ولا الجلباب

الصفحة 19