كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 24 "
انتهى . وهذا الذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه لأن مذهبه أنه يجوز أن يجمع بين إما ونون التوكيد ، وأن يأتي بأن وحدها ونون التوكيد ، وأن يأتي بإما وحدها دون نون التوكيد . وقال سيبويه في هذه المسألة : وإن شئت لم تقحم النون كما أنك إن شئت لم تجيء بما يعني مع النون وعدمها ، وعندك ظرف معمول ليبلغن ، ومعنى العندية هنا أنهما يكونان عنده في بيته وفي كنفه لا كافل لهما غيره لكبرهما وعجزهما ، ولكونهما كلاً عليه وأحدهما فاعل ) يَبْلُغَنَّ ( و ) أَوْ كِلاَهُمَا ( معطوف على ) أَحَدُهُمَا ).
وقرأ الجمهور ) يَبْلُغَنَّ ( بنون التوكيد الشديدة والفعل مسند إلى ) أَحَدُهُمَا ). وروي عن ابن ذكوان بالنون الخفيفة . وقرأ الأخوان : إما يبلغان بألف التثنية ونون التوكيد المشدّدة وهي قراءة السلمي وابن وثاب وطلحة والأعمش والجحدري . فقيل الألف علامة تثنية لا ضمير على لغة أكلوني البراغيث ، وأحدهما فاعل و ) أَوْ كِلاَهُمَا ( عطف عليه ، وهذا لا يجوز لأن شرط الفاعل في الفعل الذي لحقته علامة التثنية أن يكون مسند المثنى أو معرف بالعطف بالواو ، ونحو قاما أخواك أو قاما زيد وعمرو على خلاف في هذا الأخير هل يجوز أو لا يجوز ، والصحيح جوازه و ) أَحَدُهُمَا ( ليس مثنى ولا هو معرف بالعطف بالواو مع مفرد . وقيل : الألف ضمير الوالدين و ) أَحَدُهُمَا ( بدل من الضمير و ) كِلاَهُمَا ( عطف على ) أَحَدُهُمَا ( والمعطوف على البدل بدل . وقال الزمخشري . فإن قلت : لو قيل إما يبلغان ) كِلاَهُمَا ( كان ) كِلاَهُمَا ( توكيداً لا بدلاً ، فمالك زعمت أنه بدل ؟ قلت : لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيداً فانتظم في حكمه فوجب أن يكون مثله . فإن قلت : ما ضرك لو جعلته توكيداً مع كون المعطوف عليه بدلاً وعطفت التوكيد على البدل ؟ قلت : لو أريد توكيد التثنية لقيل ) كِلاَهُمَا ( فحسب فلما قيل ) أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا ( علم أن التوكيد غير مراد فكان بدلاً مثل الأول . وقال ابن عطية : وعلى هذه القراءة الثالثة يعني يبلغانّ يكون قوله ) أَحَدُهُمَا ( بدلاً من الضمير في يبلغان وهو بدل مقسم كقول الشاعر : وكنت كذي رجلين رجل صحيحة
وأخرى رمى فيها الزمان فشلت
انتهى . ويلزم من قوله أن يكون ) كِلاَهُمَا ( معطوفاً على ) أَحَدُهُمَا ( وهو بدل ، والمعطوف على البدل بدل ، والبدل مشكل لأنه يلزم منه أن يكون المعطوف عليه بدلاً ، وإذا جعلت ) أَحَدُهُمَا ( بدلاً من الضمير فلا يكون إلاّ بدل بعض من كل ، وإذا عطفت عليه ) كِلاَهُمَا ( فلا جائز أن يكون بدل بعض من كل ، لأن ) كِلاَهُمَا ( مرادف للضمير من حيث التثنية ، فلا يكون بدل بعض من كل ، ولا جائز أن يكون بدل كل من كل لأن المستفاد من الضمير التثنية وهو المستفاد من ) كِلاَهُمَا ( فلم يفد البدل زيادة على المبدل منه . وأما قول ابن عطية وهو بدل مقسم كقول الشاعر :
وكنت كذي رجلين البيت
فليس من بدل التقسيم لأن شرط ذلك العطف بالواو ، وأيضاً فالبدل المقسم لا يصدق المبدل فيه على

الصفحة 24