" صفحة رقم 31 "
ً بسبب إقدامه على القتل ، ويكون معناه الترغيب في العفو كما قال ) وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( انتهى ملخصاً . ولو سلم أن ) فِى ( بمعنى الباء لم يكن صحيح المعنى ، لأن من القتل بحق قاتل موليه لا يصير مسرقاً بقتله ، وإنما الظاهر والله أعلم النهي عما كانت الجاهلية تفعله من قتل الجماعة بالواحد ، وقتل غير القاتل والمثلة ومكافأة الذي يقتل من قتله . وقال مهلهل حين قتل بجير بن الحارث بن عباد : بؤبشسع نعل كليب .
وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في ) فَلاَ يُسْرِف ( ليس عائداً على الولي ، وإنما يعود على العامل الدال عليه ، ومن قتل أي ) لا يُسْرِف ( في القتل تعدياً وظلماً فيقتل من ليس له قتله . وقرأ الجمهور ) فَلاَ يُسْرِف ( بياء الغيبة . وقرأ الأخوان وزيد بن عليّ وحذيفة وابن وثاب والأعمش ومجاهد بخلاف وجماعة ، وفي نسخة من تفسير ابن عطية وابن عامر وهو وهم بتاء الخطاب والظاهر أنه على خطاب الولي فالضمير له . وقال الطبري : الخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) والأئمة من بعده أي فلا تقتلوا غير القاتل انتهى . قال ابن عطية : وقرأ أبو مسلم السرّاج صاحب الدعوة العباسية . وقال الزمخشري قرأ أبو مسلم صاحب الدولة . وقال صاحب كتاب اللوامح أو مسلم العجلي مولى صاحب الدولة : ) فَلاَ يُسْرِف ( بضم الفاء على الخبر ، ومعناه النهي وقد يأتي الأمر والنهي بلفظ الخبر . وقال ابن عطية في الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر ، وفي قراءة أبيّ فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصوراً انتهى . رده على ولا تقتلوا والأولى حمل قوله إن ولي المقتول على التفسير لا على القراءة لمخالفته السواد ، ولأن المستفيض عنه ) إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ( كقراءة الجماعة والضمير في ) أَنَّهُ ( عائد على الولي لتناسق الضمائر ونصره إياه بأن أوجب له القصاص ، فلا يستزاد على ذلك أو نصره بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق . وقيل : يعود الضمير على المقتول نصره الله حيث أوجب القصاص بقتله في الدنيا ، ونصره بالثواب في الآخرة . قال ابن عطية : وهو أرجح لأنه المظلوم ، ولفظة النصر تقارن الظلم كقوله عليه السلام : ( ونصر المظلوم وإبرار القسم ) وكقوله : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) إلى كثير من الأمثلة . وقيل : على القتل . وقال أبو عبيد : على القاتل لأنه إذا قتل في الدنيا وخلص بذلك من عذاب الآخرة فقد نصر ، وهذا ضعيف بعيد القصد . وقال الزمخشري : وإنما يعني أن يكون الضمير في أنه الذي بقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف انتهى . وهذا بعيد جداً .
الإسراء : ( 34 ) ولا تقربوا مال . . . . .
( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ( لما نهى عن إتلاف النفوس نهى عن أخذ الأموال كما قال : ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ) . لما كان اليتيم ضعيفاً عن أن يدفع عن ماله لصغره نص على النهي عن قربان ماله ، وتقدم تفسير هذه الآية في أواخر الأنعام . ) وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ( عام فيما عقده الإنسان بينه وبين ربه ، أو بينه وبين ربه ، أو بينه وبين آدمي في طاعة ) إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ ( ظاهره أن العهد هو المسؤول من المعاهد أن يفى به ولا ينكث ولا يضيعه أو يكون من باب التخييل ، كأنه يقال : للعهد لم نكثت ، فمثل كأنه ذات من الذوات تسأل لم نكثت دلالة على المطاوعة بنكثه وإلزام ما يترتب على نكثه ، كما جاء ) وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ( فيمن قرأ بسكون اللام وكسر التاء التي للخطاب . وقيل : هو على حذف مضاف أي إن ذا العهد كان مسؤولاً عنه إن لم يف به .
الإسراء : ( 35 ) وأوفوا الكيل إذا . . . . .
ثم أمر تعالى بإيفاء الكيل وبالوزن المستقيم ، وذلك مما يرجع إلى المعاملة بالأموال . وفي قوله ) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ ( دلالة على أن الكيل هو على البائع لأنه لا يقال ذلك للمشتري . وقال الحسن : ) القسطاس ( القبان وهو الفلسطون ويقال القرسطون . وقال مجاهد : ) القسطاس ( العدل لا أنه آلة . وقرأ الأخوان وحفص بكسر القاف ، وباقي السبعة بضمها وهما لغتان . وقرأت فرقة بالإبدال من السين الأولى صاداً . قال ابن عطية : واللفظية للمبالغة من القسط انتهى . ولا يجوز أن يكون من القسط لاختلاف المادتين لأن القسط مادته ق س ط ، وذلك مادته ق س ط س إلاّ أن