كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 35 "
َ طُولاً ( بتطاولك وهوتهكم بالمختال . وقرأ الجراح الأعرابي : ) لَن تَخْرِقَ ( بضم الراء . قال أبو حاتم : لا تعرف هذه اللغة . وقيل : أشير بذلك إلى أن الإنسان محصور بين جمادين ضعيف عن التأثير فيهما بالخرق وبلوغ الطول ومن كان بهذه المثابة لا يليق به التكبر . وقال الشاعر : ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا
فكم تحتها قوم هم منك أرفع والأجود انتصاب قوله ) طُولاً ( على التمييز ، أي لن يبلغ طولك الجبال . وقال الحوفي : ) طُولاً ( نصب على الحال ، والعامل في الحال ) تَبْلُغَ ( ويجوز أن يكون العامل تخرق ، و ) طُولاً ( بمعنى متطاول انتهى . وقال أبو البقاء : ) طُولاً ( مصدر في موضع الحال من الفاعل أو المفعول ، ويجوز أن يكون تمييزاً ومفعولاً له ومصدراً من معنى تبلغ انتهى .
الإسراء : ( 38 ) كل ذلك كان . . . . .
وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر والأعرج سيئة بالنصب والتأنيث . وقرأ باقي السبعة والحسن ومسروق ) سَيّئَةٌ ( بضم الهمزة مضافاً . لهاء المذكر الغائب . وقرأ عبد الله سيئانه بالجمع مضافاً للهاء ، وعنه أيضاً سيئات بغيرها ، وعنه أيضاً كان خبيثه . فأما القراءة الأولى فالظاهر أن ذلك إشارة إلى مصدري النهيين السابقين ، وهما قفو ما ليس له به علم ، والمشي في الأرض مرحاً . وقيل : إشارة إلى جميع المناهي المذكورة فيما تقدم في هذه السورة ، وسيئة خبر كان وأنت ثم قال مكروهاً فذكر . قال الزمخشري : السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب ، والاسم زال عنه حكم الصفات فلا إعتبار بتأنيثه ، ولا فرق بين من قرأ سيئة ومن قرأ سيئاً ، ألا تراك تقول : الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة ، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث انتهى . وهو تخريج حسن .
وقيل : ذكر ) مَكْرُوهًا ( على لفظ ) كُلٌّ ( وجوزوا في ) مَكْرُوهًا ( أن يكون خبراً ثانياً لكان على مذهب من يجيز تعداد الأخبار لكان ، وأن يكون بدلاً من سى ئة والبد بالمشتق ضعيف ، وأن يكون حالاً من الضمير المستكن في الظرف قبله والظرف في موضع الصفة . قيل : ويجوز أن يكون نعتاً لسيئة لما كان تأنيثها مجازياً جاز أن توصف بمذكر ، وضعف هذا بأن جواز ذلك إنما هو في الإسناد إلى المؤنث المجازي إذا تقدم ، أما إذا تأخر وأسند إلى ضميرها فهو قبيح ، تقول : أبقل الأرض إبقالها فصيحاً والأرض أبقل قبيح ، وأما من قرأ ) سَيّئَةٌ ( بالتذكير والإضافة فسيئه اسم ) كَانَ ( و ) مَكْرُوهًا ( الخبر ، ولما تقدم من الخصال ما هو سيء وما هو حسن أشير بذلك إلى المجموع وأفرد سيئة وهو المنهي عنه ، فالحكم عليه بالكراهة من قوله لا تجعل إلى آخر المنهيات . وأما قراءة عبد الله فتخرج على أن يكون مما أخبر فيه عن الجمع إخبار الواحد المذكر وهو قليل نحو قوله :
فإن الحوادث أو دى بها
لصلاحية الحدثان مكان الحوادث وكذلك هذا أيضاً كان ما يسوء مكان سيئاته ذلك إشارة إلى جميع أنواع التكاليف من قوله ) لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا ءاخَرَ إِلَى قَوْلُهُ وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحًا ( وهي أربعة وعشرون نوعاً من التكاليف بعضها أمر وبعضها نهي بدأها بقوله ) لاَّ تَجْعَل ). واختتم الآيات بقوله ) وَلاَ تَجْعَلْ (
الإسراء : ( 39 ) ذلك مما أوحى . . . . .
وقال : مما أوحى لأن ذلك بعض مما أوحي إليه إذا أوحى إليه بتكاليف أخر ، و ) مِمَّا أَوْحَى ( خبر عن ذلك ، و ) مِنَ الْحِكْمَةِ ( يجوز أن يكون متعلقاً بأوحى وأن يكون بدلاً من ما ، وأن يكون حالاً من الضمير المنصوب المحذوف العائد على ما وكانت هذه التكاليف

الصفحة 35