كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 377 "
الاْولَى ). ) لَعَلَّهُمْ ( ترج بالنسبة إليهم ) لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ( لشرائعها ومواعظها .
المؤمنون : ( 50 ) وجعلنا ابن مريم . . . . .
( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ( أي قصتهما وهي ) ءايَةً ( عظمى بمجموعها وهي آيات مع التفصيل ، ويحتمل أن يكون حذف من الأول آية لدلالة الثاني أي وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية . والربوة هنا . قال ابن عباس وابن المسيب : الغوطة بدمشق ، وصفتها أنها ) ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ( على الكمال . وقال أبو هريرة : رملة فلسطين . وقال قتادة وكعب : بيت المقدس ، وزعم أن في التوراة أن بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء ، وأنه يزيد على أعلى الأرض ثمانية عشر ميلاً . وقال ابن زيد ووهب : الربوة بأرض مصر ، وسبب هذا الإيواء أن ملك ذلك الزمان عزم على قتل عيسى ففرت به أمه إلى أحد هذه الأماكن التي ذكرها المفسرون . وقرأ الجمهور ) رَبْوَةٍ ( بضم الراء وهي لغة قريش ، والحسن وأبو عبد الرحمن وعاصم وابن عامر بفتحها ، وأبو إسحاق السبيعي بكسرها وابن أبي إسحاق رباوة بضم الراء بالألف ، وزيد بن عليّ والأشهب العقيلي والفرزدق والسلمي في نقل صاحب اللوامح بفتحها وبالألف . وقرىء بكسرها وبالألف ) ذَاتِ قَرَارٍ ( أي مستوية يمكن القرار فيها للحرث والغراسة ، والمعنى أنها من البقاع الطيبة . وعن قتادة : ذات ثمار وماء ، يعني أنها لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها .
المؤمنون : ( 51 ) يا أيها الرسل . . . . .
ونداء ) الرُّسُلَ ( وخطابهم بمعنى نداء كلواحد وخطابه في زمانه إذ لم يجتمعوا في زمان واحد فينادون ويخاطبون فيه ، وإنما أتى بصورة الجمع ليعتقد السامع أن أمراً نودي له جميع الرسل ووصوا به حقيق أن يوحد به ويعمل عليه . وقيل : الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وجاء بلفظ الجمع لقيامه مقام ) الرُّسُلَ ( وقيل : ليفهم بذلك أن هذه طريقة كل رسول كما تقول تخاطب تاجراً : يا تجار اتقوا الربا . وقال الطبري : الخطاب لعيسى ، وروي أنه كان يأكل من غزل أمه والمشهور من بقل البرية . وقال الزمخشري : ويجوز أن يقع هذا الإعلام عند إيواء عيسى ومريم إلى الربوة فذكر على سبيل الحكاية أي ) آويناهما ( وقلنا لهما هذا الذي أعلمناهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا وكلا مما رزقنا كما واعملا صالحاً اقتداء بالرسل والطيبات الحلال لذيذاً كان أو غير لذيذ . وقيل : ما يستطاب ويستلذ من المآكل والفواكه ويشهد له ) رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ( وقدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح دلالة على أنه لا يكون صالحاً إلاّ مسبوقاً بأكل الحلال .
( إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ( تحذير في الظاهر والمراد اتباعهم
المؤمنون : ( 52 ) وإن هذه أمتكم . . . . .
( وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ ( الآية تقدم تفسير مثلها في أواخر الأنبياء . وقرأ الكوفيون ) وَأَنْ ( بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف ، والحرميان : وأبو عمرو بالفتح والتشديد أي ولأن ، وابن عامر بالفتح والتخفيف وهي المخففة من الثقيلة ، ويدل على أن النداء للرسل نودي كل واحد منهم في زمانه قوله ) وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ ).
وقوله ) فَتَقَطَّعُواْ ( وجاء هنا ) وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ( وهو أبلغ في التخويف والتحذير من قوله في الأنبياء ) فَاعْبُدُونِ ( لأن هذه جاءت عقيب إهلاك طوائف كثيرين من قوم نوح ، والأمم الذين من بعدهم وفي الأنبياء وإن تقدمت أيضاً قصة نوح وما قبلها فإنه جاء بعدها ما يدل على الإحسان واللطف التام في قصة أيوب ويونس وزكريا ومريم ، فناسب الأمر بالعبادة لمن هذه صفته تعالى
المؤمنون : ( 53 ) فتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .
وجاء هنا ) فَتَقَطَّعُواْ ( بالفاء إيذاناً بأن التقطيع اعتقب الأمر بالتقوى ، وذلك مبالغة في عدم قبولهم وفي نفارهم عن توحيد الله وعبادته . وجاء في الأنبياء بالواو فاحتمل معنى الفاء ، واحتمل تأخر تقطعهم عن الأمر بالعبادة ، وفرح كل حزب بما لديه دليل على نعمته في ضلاله ، وأنه هو الذي ينبغي أن يعتقد وكأنه لا ريبة عنده في أنه الحق .
المؤمنون : ( 54 ) فذرهم في غمرتهم . . . . .
ولما ذكر تعالى من ذكر من الأمم ومآل أمرهم من الإهلاك حين كذبوا الرسل كان ذلك مثالاً لقريش ، فخاطب رسوله في شأنهم بقوله ) فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ( وهذا وعيد لهم حيث تقطعوا في أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، فقائل هو شاعر ، وقائل ساحر ، وقائل به جنة كما تقطع من قبلهم من الأمم كما قال ) أَتَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ). قال الكلبي ) فِى غَمْرَتِهِمْ ( في جهالتهم . وقال ابن بحر : في حيرتهم . وقال ابن سلام : في غفلتهم . وقيل : في ضلالتهم ) حَتَّى حِينٍ ( حتى ينزل بهم الموت . وقيل : حتى يأتي ما وعدوا به من العذاب . وقيل : هو يوم بدر . وقيل : هي منسوخة بآية السيف . وقرأ الجمهور ) فِى غَمْرَتِهِمْ ( وعليّ بن أبي طالب وأبو حيوة والسلمي في غمراتهم على الجمع

الصفحة 377