كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 38 "
وتعالى يتعلق به على سبيل الأعمال إذ يصح لسبحان أن يتعلق به عن كما في قوله ) سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ( والتعالي في حقه تعالى هو بالمكانة لا بالمكان . وقرأ الأخوان : عما تقولون بالتاء من فوق وباقي السبعة بالياء . وانتصب ) عَلَوْاْ ( على أنه مصدر على غير الصدر أي تعالياً ووصف تكبيراً مبالغة في معنى البراءة والبعد عما وصفوه به لأن المنافاة بين الواجب لذاته والممكن لذاته ، وبين القديم والمحدث ، وبين الغني والمحتاج منافاة لا تقبل الزيادة ،
الإسراء : ( 44 ) تسبح له السماوات . . . . .
ونسبة التسبيح للسموات والأرض ومن فيهن من ملك وإنس وجن حمله بعضهم على النطق بالتسبيح حقيقة ، وأن ما لا حياة فيه ولا نمو يحدث الله له نطقاً وهذا هو ظاهر اللفظ ، ولذلك جاء ) وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ). وقال بعضهم : ما كان من نام حيوان وغيره يسبح حقيقة ، وبه قال عكرمة قال : الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح .
وسئل الحسن عن الخوان أيسبح ؟ فقال : قد كان يسبح مرة يشير إلى أنه حين كان شجرة كان يسبح ، وحين صار خواناً مدهوناً صار جماداً لا يسبح . وقيل : التسبيح المنسوب لما لا يعقل مجاز ومعناه أنها تسبح بلسان الحال حيث يدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته وكماله ، فكأنها تنطق بذلك وكأنها تنزه الله عما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها . ويكون قوله : ) وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ( خطاباً للمشركين ، وهم وإن كانوا معترفين بالخالق أنه الله لكنهم لما جعلوا معه آلهة لم ينظروا ولم يقروا لأن نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه ، فإذا لم يفقهوا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق فيكون التسبيح المسند إلى السموات والأرض ومن فيهن على سبيل المجاز قدراً مشتركاً بين الجميع ، وإن كان يصدر التسبيح حقيقة ممن فيهن من ملك وإنس وجان ولا يحمل نسبته إلى السموات والأرض على المجاز ، ونسبته إلى الملائكة والثقلين على الحقيقة لئلا يكون جمعاً بين المجاز والحقيقة بلفظ واحد .
وقال ابن عطية ثم أعاد على السموات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح انتهى . ويعنى بالضمير في قوله ) وَمَن فِيهِنَّ ( وكأنه تخيل أن هن لا يكون إلاّ لمن يعقل من المؤنثات وليس كما تخيل بل هن يكون ضمير الجمع المؤنث مطلقاً . وقرأ النحويان وحمزة وحفص : تسبح بالتاء من فوق وباقي السبعة بالياء ، وفي بعض المصاحف سبحت له السموات بلفظ الماضي وتاء التأنيث وهي قراءة عبد الله والأعمش وطلحة بن مصرف . ) إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ( حيث لا يعاجلكم بالعقوبة على سوء نظركم ) غَفُوراً ( إن رجعتم ووحدتم الله تعالى .
الإسراء : ( 45 ) وإذا قرأت القرآن . . . . .
( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْءانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً ).
نزلت ) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءانَ ( في أبي سفيان والنضر وأبي جهل وأم جميل امرأة أبي لهب ، كانوا يؤذون الرسول إذا قرأ القرآن ، فحجب الله أبصارهم إذا قرأ فكانوا يمرون به ولا يرونه قاله الكلبي : وعن ابن عباس نزلت في امرأة أبي لهب ، دخلت منزل أبي بكر وبيدها فهر والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) عنده ، فقالت : هجاني صاحبك ، قال : ما هو بشاعر ، قالت : قال ) فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ ( وما يدريه ما في جيدي ؟ فقال لأبي بكر : ( سلها هل ترى غيرك فإن ملكاً لم يزل يسترني عنها ) فسألها فقالت : أتهزأ بي ما أرى غيرك فانصرفت ولم تر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقيل : نزلت في قوم

الصفحة 38