كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 388 "
تعظيماً كما أخبر عن نفسه بنون الجماعة في غير موضع . وقال الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء سواكم
وقال آخر
ألا فارحموني يا إله محمد
وإما استغاث أولاً بربه وخاطب ملائكة العذاب وقاله ابن جريج . والظاهر أن الضمير في ) أَحَدِهِمْ ( راجع إلى الكفار ، ومساق الآيات إلى آخرها يدل على ذلك . وقال ابن عباس : من لم يزك ولم يحج سأل الرجعة . فقيل له ذلك للكفار فقرأ مستدلاً لقوله ) وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ( آية سورة المنافقين . وقال الأوزاعي : هو مانع الزكاة ، وجاء الموت أي حضر وعاينه الإنسان فحينئذ يسأل الرجعة إلى الدنيا وفي الحديث : ( إذا عاين المؤمن الموت قالت له الملائكة : نرجعك فيقول إلى دار الهموم والأحران بل قدما إلى الله ، وأما الكافر فيقول : ( ارجعون لعلي أعمل صالحاً ) .
ومعنى ) فِيمَا تَرَكْتُ ( في الإيمان الذي تركته والمعنى لعلي آتى بما تركته من الإيمان وأعمل فيه صالحاً كما تقول : لعلي أبني على أس ، يريد أؤس أساً وأبني عليه . وقيل : ) فِى مَا تَرَكْتُ ( من المال على ما فسره ابن عباس :
المؤمنون : ( 101 ) فإذا نفخ في . . . . .
( كَلاَّ ( كلمة ردع عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد . فقيل : هي من قول الله لهم . وقيل : من قول من عاين الموت يقول ذلك لنفسه على سبيل التحسر والندم ، ومعنى ) هُوَ قَائِلُهَا ( لا يسكت عنها ولا ينزع لاستيلاء الحسرة عليه ، أو لا يجد لها جدوى ولا يجاب لما سأل ولا يغاث ) وَمِن وَرَائِهِمْ ( أي الكفار ) بَرْزَخٌ ( حاجز بينهم وبين الرجعة إلى وقت البعث . وفي هذه الجملة اقناط كلي أن لا رجوع إلى الدنيا ، وإنما الرجوع إلى الآخرة استعير البرزخ للمدة التي بين موت الإنسان وبعثه .
وقرأ ابن عباس والحسن وابن عياض ) فِى الصُّورِ ( بفتح الواو جمع صورة ، وأبو رزين بكسر الصاد وفتح الواو ، وكذا فأحسن صوركم وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسر الفاء شاذ . ) فَلاَ أَنسَابَ ( نفي عام ، فقال ابن عباس : عند النفخة الأولى يموت الناس فلا يكون بينهم نسب في ذلك الوقت وهم أموات ، وهذا القول يزبل هول الحشر . وقال ابن مسعود وغيره : عند قيام الناس من القبور فلهول المطلع اشتغل كل امرىء بنفسه فانقطعت الوسائل وارتفع التفاخر والتعاون بالأنساب . وعن قتادة : ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن يكون له عنده مظلمة ، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه . وقيل : ) فَلاَ أَنسَابَ ( أي لا تواصل بينهم حين افتراقهم إلى ما أعدّ لهم من ثواب وعقاب ، وإنما التواصل بالأعمال .
وقرأ عبد الله ولا يساءلون بتشديد السين أدغم التاء في السين إذ أصله ) يَتَسَاءلُونَ ( ولا تعارض بين انتفاء التساؤل هنا وبين إثباته في قوله ) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ ( لأن يوم القيامة مواطن ومواقف ، ويمكن أن يكون انتفاء التساؤل عند النفخة الأولى ، وأما في الثانية فيقع التساؤل .
المؤمنون : ( 102 - 103 ) فمن ثقلت موازينه . . . . .
وتقدم الكلام في الموازين وثقلها وخفتها في أوائل الأعراف . وقال الزمخشري ؛ ) فِى جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ( بدل من خسروا أنفسهم ولا محل للبدل والمبدل منه لأن الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف انتهى . جعل ) فِى جَهَنَّمَ ( بدلاً ) مِنْ خَسِرُواْ ( وهذا بدل غريب ، وحقيقته أن يكون البدل الفعل الذي يتعلق به ) فِى جَهَنَّمَ ( أي استقروا في جهنم ، وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأن من خسر نفسه استقر في جهنم . وأجاز أبو البقاء أن يكون ) الَّذِينَ ( نعتاً لأولئك ، وخبر ) أُوْلَائِكَ ( ) فِى جَهَنَّمَ ( والظاهر أن

الصفحة 388