كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 404 "
وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَائِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ( )
النور : ( 21 ) يا أيها الذين . . . . .
تقدم الكلام على ) خُطُواتِ الشَّيْطَانِ ( تفسيراً وقراءة في البقرة . والضمير في ) فَإِنَّهُ ( عائد على ) مِنْ ( الشرطية ، أي فإن متبع خطوات الشيطان ) يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ( وهو ما أفرط قبحه ) وَالْمُنْكَرِ ( وهو ما تنكره العقول السليمة أي يصير رأساً في الضلال بحيث يكون آمراً يطيعه أصحابه .
( وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ( بالتوبة الممحصة ما طهر أحد منكم . وقرأ الجمهور ) مَا زَكَى ( بتخفيف الكاف ، وأمال حمزة والكسائي وأبو حيوة والحسن والأعمش وأبو جعفر في رواية وروح بتشديدها ، وأماله الأعمش وكبت ) زَكَى ( المخفف بالياء وهو من ذوات الواو على سبيل الشذوذ لأنه قد يمال ، أو على قراءة من شد الكاف . ) وَلَاكِنَّ اللَّهَ يُزَكّى مَن يَشَاء ( ممن سبقت له السعادة ، وكان علمه الصالح أمارة على سبقها أو من يشاء بقبول التوبة النصوح ) وَاللَّهُ سَمِيعٌ ( لأقوالهم ) عَلِيمٌ ( بضمائرهم .
النور : ( 22 ) ولا يأتل أولوا . . . . .
( وَلاَ يَأْتَلِ ( هو مضارع ائتلى افتعل من الألية وهي الحلف . وقيل : معناه يقصر من افتعل ألوت قصرت ومنه ) لاَ يَأْلُونَكُمْ ). وقول الشاعر : وما المرء ما دامت حشاشة نفسه
بمدرك أطراف الخطوب ولا آل وهذا قول أبي عبيدة ، واختاره أبو مسلم . وسبب نزولها المشهور أنه حلف أبي بكر على مسطح أن لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة . وقال ابن عياش والضحاك : قطع جماعة من المؤمنين منافعهم عمن قال في الإفك ، وقالوا : لا نصل من تكلم فيه فنزلت في جميعهم . والآية تتناول من هو بهذا الوصف . وقرأ الجمهور ) يَأْتَلِ ). وقرأ عبد الله بن عياش بن ربيعة وأبو جعفر مولاه وزيد بن أسلم والحسن يتأل مضارع تألى بمعنى حلف . قال الشاعر :
تألى ابن أوس حلفة ليردّني
إلى نسوة كأنهن معائد
والفضل والسعة يعني المال ، وكان مسطح ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكان من المهاجرين وممن شهد بدراً ، وكان ما نسب إليه داعياً أبا بكر أن لا يحسن إليه ، فأمر هو ومن جرى مجراه بالعفو والصفح ، وحين سمع أبو بكر ) أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ( ؟ قال : بلى ، أحب أن يغفر الله لي ورد إلى مسطح نفقته وقال : والله لا أنزعها أبداً . وقرأ أبو حيوة وابن قطيب وأبو البرهثيم أن تؤتوا بالتاء على الالتفات ، ويناسبه ) أَلاَ تُحِبُّونَ ( و ) أَن يُؤْتُواْ ( نصب الفعل المنهي فإن كان بمعنى الحلف فيكون التقدير كراهة ) أَن يُؤْتُواْ ( وأن لا يؤتوا فحذف لا ، وإن كان بمعنى يقصر فيكون التقدير في أن يؤتوا أو عن أن يؤتوا . وقرأ عبد الله والحسن وسفيان بن الحسين وأسماء بنت يزيد ولتعفوا ولتصفحوا بالتاء أمر خطاب للحاضرين .
النور : ( 23 ) إن الذين يرمون . . . . .
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ ( عام في الرامين واندرج فيه الراميان تغليباً للمذكر على المؤنث . و ) الْمُحْصَنَاتِ ( ظاهره أنه عام في النساء العفائف . وقال النحاس : من أحسن ما قيل فيه أنه عام لجميع الناس من ذكر وأنثى ، وأن التقدير يرمون الأنفس ) الْمُحْصَنَاتِ ( فيدخل فيه المذكر والمؤنث . وقيل : هو خاص بمن تكلم فيها في حديث الإفك . وقيل : خاص بأمهات المؤمنين وكبراهن منزلة وجلالة تلك فعلى أنه خاض بها جمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بتلك الصفات من الإحصان والعقل والإيمان كما قال :
قدني من نصر الخبيبن قدي
يعني عبد الله بن

الصفحة 404