كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 405 "
الزبير وأشياعه . و ) الْغَافِلَاتِ ( السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ولا يفطنّ لما يفطن له المجريات ، كما قال الشاعر : ولقد لهوت بطفلة ميالة
بلهاء تطلعني على أسرارها
وكذلك البله من الرجال في قوله ( أكثر أهل الجنة البله ) . ) لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ( في قذف المحصنات . قيل : هذا الاستثناء بالتوبة وفي هذه لم يجيء استثناء . وعن ابن عباس أن من خاض في حديث الإفك وتاب لم تقبل توبته ، والصحيح أن الوعيد في هذه الآية مشروط بعدم التوبة ، ولا فرق بين الكفر والفسق وأن من تاب غفر له . ويناسب أن تكون هذه الآية كما قيل نزلت في مشركي مكة ، كانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفوها وقالوا : خرجت لتفجر قاله أبو حمزة اليماني ، ويؤيده قوله ) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ( وعن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن أُبَيّ كان يشك في الدين فإذا كان يوم القيامة علم حيث لا ينفعه .
النور : ( 24 ) يوم تشهد عليهم . . . . .
والناصب ليوم تشهد ما تعلق به الجار والمجرور وهو ولهم . وقال الحوفي : العامل فيه عذاب ، ولا يجوز لأنه موصوف إلاّ على رأي الكوفيين . وقرأ الأخوان والزعفراني وابن مقسم وابن سعدان يشهد بياء من تحت لأنه تأنيث مجازي ، ووقع الفصل ، وباقي السبعة بالتاء ، ولما كان قلب الكافر لا يريد ما يشهد به أنطق الله الجوارح والألسنة والأيدي والأرجل بما عملوا في الدنيا وأقدرها على ذلك ، وليست الحياة شرطاً لوجود الكلام . وقالت المعتزلة : يخلق في هذه الجوارح الكلام ، وعندهم المتكلم فاعل الكلام فتكون تلك الشهادة من الله في الحقيقة إلاّ أنه تعالى أضافها إلى الجوارح توسعاً . وقالوا أيضاً : إنه تعالى ينشىء هذه الجوارح على خلاف ما هي عليه ، ويلجئها أن تشهد على الإنسان وتخبر عنه بأعماله . قال القاضي : وهذا أقرب إلى الظاهر لأن ذلك يفيد أنها بفعل الشهادة .
النور : ( 25 ) يومئذ يوفيهم الله . . . . .
وانتصب ) يَوْمَئِذٍ ( بيوفيهم ، والتنوين في إذ عوض من الجملة المحذوفة ، والتقدير يوم إذ تشهد . وقرأ زيد بن عليّ ) يُوَفّيهِمُ ( مخففاً والدين هنا الجزاء أي جزاء أعمالهم . وقال : ولم يبق سوى العد
وإن دناهم كما دانوا
ومنه : كما تدين تدان . وقرأ الجمهور ) الْحَقّ ( بالنصب صفة لدينهم . وقرأ عبد الله ومجاهد وأبو روق وأبو حيوة بالرفع صفة لله ، ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصول وصفته و ) يَعْلَمُونَ ( إلى آخره يقوي قول من قال : إن الآية في عبد الله بن أُبيّ لأن كل مؤمن يعلم ) أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ).
قال الزمخشري : ولو قلبت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك وما أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد ، والعذاب البليغ ، والزجر العنيف ، واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه ما نزل فيه على طرق مختلفة وأساليب متقنة كل واحد منها كاف في بابه ، ولو لم ينزل إلاّ هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعاً وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة وأن ) أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ( تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا به ، وأنه ) يُوَفّيهِمُ ( جزاء الحق الذي هم أهله حتى يعلموا عند الله ) أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر ، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلاّ ما هو دونه في الفظاعة انتهى . وهو كلام حسن . ثم قال بعد كلام فإن قلت : ما معنى قوله ) هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( ؟ قلت : معناه ذو الحق المبين العادل الذي لا ظلم في حكمه ، والمحق الذي لا يوصف بباطل ، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء ولا إحسان محسن ، فحق مثله أن يتقى وتجتنب محارمه انتهى . وفي قوله لم تسقط عنده إساءة مسيء دسيسة الاعتزال .
النور : ( 26 ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون . . . . .
والظاهر أن ) الْخَبِيثَاتُ ( وصف للنساء ، وكذلك ) الطَّيّبَاتِ ( أي النساء الخبيثات للرجال ) الخبيثين ( ويرجحه مقابلته بالذكور فالمعنى أن ) الْمُبِينُ الْخَبِيثَاتُ ( من النساء ينزعن للخباث من الرجال ، فيكون قريباً من قوله ) الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً (

الصفحة 405