" صفحة رقم 413 "
وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك ، وكان النساء يغطين رؤوسهنّ بالأخمرة ويسدلنها من وراء الظهر فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر عليهنّ وضمن ) وَلْيَضْرِبْنَ ( معنى وليلقين وليضعن ، فلذلك عداه بعلى كما تقول ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه . وقرأ عياش عن أبي عمرو ) وَلْيَضْرِبْنَ ( بكسر اللام وطلحة ) بِخُمُرِهِنَّ ( بسكون الميم وأبو عمرو ونافع وعاصم وهشام ) جُيُوبِهِنَّ ( بضم الجيم وباقي السبعة بكسر الجيم .
وبدأ تعالى بالأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من الزينة ، ثم ثنى بالمحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ولكن تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر ، فالأب والأخ ليس كابن الزوج فقد يُبدي للأب ما لا يبدى لابن الزوج . ولم يذكر تعالى هنا العم ولا الخال . وقال الحسن : هما كسائر المحارم في جواز النظر قال : لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع وهو كالنسب ، وقال في سورة الأحزاب ) لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِىءابَائِهِنَّ ( ولم يذكر فيها البعولة وذكرهم هنا ، والإضافة في ) نِسَائِهِنَّ ( إلى المؤمنات تقتضي تعميم ما أضيف إليهن من النساء من مسلمة وكافرة كتابية ومشركة من اللواتي يكن في صحبة المؤمنات وخذمتهن ، وأكثر السلف على أن قوله ) أَوْ نِسَائِهِنَّ ( مخصوص بمن كان على دينهن .
قال ابن عباس : ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلاّ ما تبدي للأجانب إلاّ أن تكون أَمة لقوله ) أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ( وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن امنع نساء أهل الذمة من دخول الحمام مع المؤمنات . والظاهر العموم في قوله ) أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ( فيشمل الذكور والإناث ، فيجوز للعبد أن ينظر من سيدته ما ينظر أولئك المستثنون وهو مذهب عائشة وأم سلمة . وعن مجاهد : كان أمهات المؤمنين لا يحتجبن عن مكاتبهن ما بقي عليه درهم ، وروي أن عائشة كانت تمتشط وعبدها ينظر إليها . وعن سعيد بن المسيب مثله ثم رجع عنه . وقال ابن مسعود والحسن وابن المسيب وابن سيرين : لا ينظر العبد إلى شعر مولاته وهو قول أبي حنيفة . وفي الحديث : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً فوق ثلاث إلاّ مع ذي محرم ) والعبد ليس بذي محرم . وقال سعيد بن المسيب : لا يغرنكم آية النور فإن المراد بها الإماء . قال الزمخشري : وهذا هو الصحيح لأن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها خصياً كان أو فحلاً . وعن ميسون بنت بحدل الكلابية : إن معاوية دخل عليها ومعه خصي فتقنعت منه ، فقال : هو خصي فقالت : يا معاوية أترى المثلة تحلل ما حرم الله . وعند أبي حنيفة لا يحل إمساك الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم ، ولم ينقل عن أحد من السلف إمساكهم انتهى . والإربة الحاجة إلى الوطء لأنهم بله لا يعرفون شيئاً من أمر النساء ، ويتبعون لأنهم يصيبون من فضل الطعام . قال ابن عطية : ويدخل في هذه الصفة المجنون والمعتوه والمخنث والشيخ الفاني والزمن الموقوذ بزمانته .
وقرأ ابن عامر وأبو بكر بالنصب على الحال أو الاستثناء وباقي السبعة بالجر على النعت وعطف ) أَوِ الطّفْلِ ( على ) مِنَ الرّجَالِ ( قسم التابعين غير أولي الحاجة للوطء إلى قسمين رجال وأطفال ، والمفرد المحكي بأل يكون للجنس فيعم ، ولذلك وصف بالجمع في قوله ) الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ ( ومن ذلك قول العرب : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض يريد الدنانير والدراهم فكأنه قال : أو الأطفال . و ) الطّفْلِ ( ما لم يبلغ الحلم وفي مصحف حفصة أو الأطفال جمعاً . وقال الزمخشري : وضع الواحد موضع الجمع لأنه يفيد الجنس ويبين ما بعده أنه يراد به الجمع ونحوه ) يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ( انتهى . ووضع المفرد موضع الجمع لا ينقاس عند سيبويه وإنما قوله ) الطّفْلِ ( من باب المفرد المعرف بلام الجنس فيعم كقوله ) إِنَّ الإنسَانَ لَفِى خُسْرٍ ( ولذلك صح الاستثناء منه والتلاوة ثم يخرجكم بثم لا بالواو . وقوله ونحوه ليس نحوه لأن هذا معرف بلام الجنس وطفلاً نكره ، ولا يتعين حمل طفلاً هنا على الجمع الذي لا يقيسه سيبويه لأنه يجوز أن يكون المعنى ثم يخرج كل واحد منكم كما قيل في قوله تعالى ) وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ ( أي لكل واحدة منهن . وكما تقول : بنو فلان يشبعهم رغيف أي يشبع كل واحد منهم رغيف . وقوله ) الَّذِين