" صفحة رقم 430 "
لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف قول المؤمنين . وكان هذا من قبيل كان في قوله ) مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ( ) مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَاذَا ( انتهى . ونص سيبويه على أن اسم كان وخبرها إذا كانتا معرفتين فأنت بالخيار في جعل ما شئت منهما الاسم والآخر الخبر من غير اعتبار شرط في ذلك ولا اختيار .
وقرأ أبو جعفر والجحدري وخالد بن الياس ) لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ( مبنياً للمفعول ، والمفعول الذي لم يسم فاعله هو ضمير المصدر أي ) لِيَحْكُمَ ( هو أي الحكم ، والمعنى ليفعل الحكم ) بَيْنَهُمْ ( ومثله قولهم : جمع بينهما وألف بينهما وقوله تعالى ) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ ). قال الزمخشري : ومثله ) لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ( فيمن قرأ ) بَيْنِكُمْ ( منصوباً أي وقع التقطع بينكم انتهى . ولا يتعين ما قاله في الآية إذ يجوز أن يكون الفاعل ضميراً يعود على شيء قبله وتقدم الكلام في ذلك في موضعه .
( أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا ( أي قول الرسول ) وَأَطَعْنَا ( أي أمره .
النور : ( 52 ) ومن يطع الله . . . . .
وقرىء ) وَيَتَّقْهِ ( بالإشباع والاختلاس والإسكان . وقرىء ) وَيَتَّقْهِ ( بسكون القاف وكسر الهاء من غير إشباع أجرى خبر كان المنفصل مجرى المتصل ، فكما يسكن علم فيقال علم كذلك سكن ويتقه لأنه تقه كعلم وكما قال السالم : قالت سليمى اشتر لنا سويقاً يريد اشتر لنا ) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ ( في فرائضه ) وَرَسُولُهُ ( في سننه و ) يَخْشَى اللَّهَ ( على ما مضى من ذنوبه ) وَيَتَّقْهِ ( فيما يستقبل . وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه .
النور : ( 53 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
ولما بلغ المنافقين ما أنزل تعالى فيهم أتوا إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأقسموا إلى آخره أي ) لَيُخْرِجَنَّ ( عن ديارهم وأموالهم ونسائهم و ) لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ ( بالجهاد ) لَيُخْرِجَنَّ ( إليه وتقدم الكلام في ) جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ( في الأنعام . ونهاهم تعالى عن قسمهم لعلمه تعالى أنه ليس حقاً . ) طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ( أي معلومة لا شك فيها ولا يرتاب ، كطاعة الخلص من المؤمنين المطابق باطنهم لظاهرههم ، لا أيمان تقسموا بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها ، أو طاعتكم طاعة معروفة بالقول دون الفعل ، أو طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة قاله الزمخشري . وقال ابن عطية : يحتمل معاني .
أحدها : النهي عن القسم الكاذب إذ قد عرف أن طاعتهم دغلة رديئة فكأنه يقول : لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه .
والثاني : لا تتكلفوا القسم طاعة معروفة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم ، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم .
والثالث : لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم .
والرابع : لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسمة طاعة الله معروفة وجهاد عدوه مهيع لائح انتهى .
و ) طَاعَةٌ ( مبتدأ و ) مَّعْرُوفَةٌ ( صفة والخبر محذوف ، أي أمثل وأولى أو خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا أو المطلوب ) طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ). وقال أبو البقاء : ولو قرىء بالنصب لكان جائزاً في العربية وذلك على المصدر أي أطيعوا طاعة انتهى . وقدراه بالنصب زيد بن عليّ واليزيدي وتقدير بعضهم الرفع على إضمار ولتكن ) طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ( ضعيف لأنه لا يحذف الفعل ويبقى الفاعل ، إلاّ إذا كان ثم مشعر به نحو ) رِجَالٌ ( بعد ) يُسَبّحُ ( مبنياً للمفعول أي يسبحه رجال ، أو يجاب به نفي نحو : بلى زيد لمن قال : ما جاء أحد . أو استفهام نحو قوله :
ألا هل أتى أم الحويرث مرسل
بلى خالد إن لم تعقه العوائق
النور : ( 54 ) قل أطيعوا الله . . . . .
أي أتاها خالد . ) إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( أي مطلع على سرائركم ففاضحكم . والتفت من الغيبة إلى الخطاب لأنه أبلغ في تبكيتهم .
ولما بكتهم بأن مطلع على سرائرهم تلطف بهم فأمرهم بطاعة الله والرسول وهو أمر عام للمنافقين وغيرهم . ) فَإِن تَوَلَّوْاْ ( أي فإن تتولوا . ) فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ( أي على الرسول ) مَا حُمّلَ ( وهو التبليغ ومكافحة الناس بالرسالة وإعمال الجهد في إنذارهم . ) وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ ( وهو السمع والطاعة واتّباع الحق . ثم علق هدايتهم على طاعته فلا يقع إلا بطاعته ) وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ( تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في المائدة .
النور : ( 55 ) وعد الله الذين . . . . .
روي أي بعض الصحابة شكا جهد