كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 444 "
ومشيه في الأسواق والظاهر أن هذا الجعل كان يكون في الدنيا لو شاءه الله . وقيل : في الآخرة ودخلت إن على المشيئة تنبيهاً أنه لا ينال ذلك إلاّ برحمته وأنه معلق على محض مشيئته ليس لأحد من العباد على الله حق لا في الدنيا ولا في الآخرة . والأول أبلغ في تبكيت الكفار والرد عليهم . قال ابن عطية : ويرده قوله بعد ذلك ) بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ ( انتهى . ولا يرده لأن المعنى به متمكن وهو عطف على ما حكى عنهم يقول : بل أتى بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة . وقرأ الجمهور ) وَيَجْعَلَ ( بالجزم قالوا عطفاً على موضع جعل لأن التقدير إن يشأ يجعل ويجوز أن يكون مرفوعاً أدغمت لامه في لام ) لَكَ ( لكن ذلك لا يعرف إلاّ من مذهب أبي عمرو والذي قرأ بالجزم من السبعة نافع وحمزة والكسائي وأبو عمرو ، وليس من مذهب الثلاثة إدغام المثلين إذا تحرك أولهما إنما هو من مذهب أبي عمر وكما ذكرنا . وقرأ مجاهد وابن عامر وابن كثير وحميد وأبو بكر ومحبوب عن أبي عمرو بالرفع . قال ابن عطية : والاستئناف ووجهه العطف على المعنى في قوله ) جَعَلَ ( لأن جواب الشرط هو موضع استئناف . ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر قد تقع موقع جواب الشرط ؟ وقال الحوفي من رفع جعله مستأنفاً منقطعاً مما قبله انتهى . وقال أبو البقاء وبالرفع على الاستئناف . وقال الزمخشري : وقرىء ) وَيَجْعَلَ ( بالرفع عطفاً على ) جَعَلَ ( لأن الشرط إذا وقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع كقوله : وإن أتاه خليل يوم مسألة
يقول لا غائب مالي ولا حرم
انتهى . وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري من أنه إذا كان فعل الشرط ماضياً جاز في جوابه الرفع ليس مذهب سيبويه ، إذ مذهب سيبويه أن الجواب محذوف وأن هذا المضارع المرفوع النية به التقديم ، ولكون الجواب محذوفاً لا يكون فعل الشرط إلاّ بصيغة الماضي . وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه هو الجواب وأنه على حذف الفاء ، وذهب غير هؤلاء إلى أنه هو الجواب وليس على حذف الفاء ولا على التقديم ، ولما لم يظهر لأداة الشرط تأثير في فعل الشرط لكونه ماضي اللفظ ضعف عن العمل في فعل الجواب فلم تعمل فيه ، وبقي مرفوعاً وذهب الجمهور إلى أن هذا التركيب فصيح وأنه جائز في الكلام . وقال بعض أصحابنا : هو ضرورة إذ لم يجىء إلاّ في الشعر وهو على إضمار الفاء والكلام في هذه المذاهب مذكور في علم النحو . وقرأ عبيد الله بن موسى وطلحة بن سليمان ) وَيَجْعَلَ ( بالنصب على إضمار أن . وقال أبو الفتح هي على جواب الشرط بالواو ، وهي قراءة ضعيفة انتهى . ونظير هذه القراءات الثلاث قول النابغة : فإن يهلك أبو قابوس يهلك
ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش
أجب الظهر ليس له سنام
يروى بجرم نأخذ ورفعه ونصبه .
الفرقان : ( 11 ) بل كذبوا بالساعة . . . . .
( بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ ( قال الكرماني : المعنى ما منعهم من الإيمان أكلك الطعام ولا مشيك في السوق ، بل منعهم تكذيبهم بالساعة . وقيل : ليس ما تعلقوا به شبهة بل الحامل على تكذبيك تكذبيهم بالساعة استثقالاً للاستعداد لها . وقيل : يجوز أن يكون متصلاً بما يليه كأنه قال ) بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ ( فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ، وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بالآخرة انتهى . وبل لترك اللفظ المتقدم من غير إبطال لمعناه . وأخذ في لفظ آخر ) وَأَعْتَدْنَا ( جعلناه معداً . ) سَعِيراً ( ناراً كبيرة الإيقاد . وعن الحسن : اسم من أسماء جهنم .
الفرقان : ( 12 ) إذا رأتهم من . . . . .
( إِذَ

الصفحة 444