كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 445 "
ا رَأَتْهُمْ ( قيل هو حقيقة وإن لجهنم عينين وروي في ذلك أثر فإن صح كان هو القول الصحيح . وإلاّ كان مجازاً ، أي صارت منهم بقدر ما يرى الرائي من البعد كقولهم : دورهم تتراءى أي تتناظر وتتقابل ، ومنه : لا تتراءى ناراهما . وقال قوم : النار اسم لحيوان ناري يتكلم ويرى ويسمع ويتغير ويزفر حكاه الكرماني ، وقيل : هو على حذف مضاف أي رأتهم جزنتها من مكان بعيد ، قيل : مسيرة خمسمائة عام . وقيل : مائة سنة . وقيل : سنة ) سَمِعُواْ لَهَا ( صوت تغيظ لأن التغيظ لا يسمع ، وإذا كان على حذف المضاف كان المعنى تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار وشهوة للانتقام منهم . وقيل ) سَمِعُواْ ( صوت لهيبها واشتعالها وقيل هو مثل قول الشاعر : فيا ليت زوجك قد غدا
متقلداً سيفاً ورمحاً
وهذا مخرج على تخريجين أحدهما الحذف أي ومعتقلاً رمحاً . والثاني تضمين ضمن متقلداً معنى متسلحاً فكذلك الآية أي ) سَمِعُواْ لَهَا ( ورأوا ) تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ( وعاد كل واحد إلى ما يناسبه . أو ضمن ) سَمِعُواْ ( معنى أدركوا فيشمل التغيظ والزفير .
الفرقان : ( 13 ) وإذا ألقوا منها . . . . .
وانتصب ) مَكَاناً ( على الظرف أي في مكان ضيق . وعن ابن عباس : تضيق عليهم ضيق الزج في الرمح مقرنين قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل . وقيل : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد . وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمر وضيقاً . قال ابن عطية : وقرأ أبو شيبة صاحب معاذ بن جبل مقرنون بالواو وهي قراءة شاذة ، والوجه قراءة الناس ونسبها ابن خالويه إلى معاذ بن جبل ووجهها أن يرتفع على البدل من ضمير ) أَلْقَوْاْ ( بدل نكرة من معرفة ونصب على الحال ، والظاهر دعاء الثبور وهي الهلاك فيقولون : واثبوراه أي يقال يا ثبور فهذا أوانك . وقيل : المدعو محذوف تقديره دعوا من لا يجيبهم قائلين ثبرنا ثبوراً . والثبور قال ابن عباس : هو الويل ، وقال الضحاك : هو الهلاك ومنه قول ابن الزبعري : إذ يجاري الشيطان في سنن الغي
ومن مال ميله مثبور
الفرقان : ( 14 ) لا تدعوا اليوم . . . . .
( لاَّ تَدْعُواْ الْيَوْمَ ( يقول لهم ) لاَّ تَدْعُواْ ( أو هم أحق أن يقال لهم ذلك وإن لم يكن هناك قول ، أي لا تقتصروا على حزن واحد بل احزنوا حزناً كثيراً وكثرته إما لديمومة العذاب فهو متجدداً دائماً ، وإما لأنه أنواع وكل نوع يكون منه ثبور لشدته وفظاعته . وقرأ عمرو بن محمد ) ثُبُوراً ( بفتح الثاء في ثلاثتها وفعول بفتح الواو في المصادر قليل نحو البتول . وحكى عليّ بن عيسى : ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما صرفك . كأنهم دعوا بما فعلوا فقالوا : واصرفاه عن طاعة الله كما تقول : واندامتاه . روي أن أول ما ينادي بذلك إبليس يقول : واثبوراه حتى يكسى حلة من جهنم يضعها على جبينه ويسحبها من خلفه ، ثم يتبعه في القول أتباعه فيقول لهم خزان جهنم ) لاَّ تَدْعُواْ ). وقيل : نزلت في ابن خطل وأصحابه .
الفرقان : ( 15 - 16 ) قل أذلك خير . . . . .
والظاهر أن الإشارة بذلك إلى النار وأحوال أهلها . وقيل إلى الجنة والكنز في قولهم . وقيل إلى الجنة والقصور المجعولة في الدنيا على تقدير المشيئة و ) خَيْرٌ ( هنا ليست تدل على الأفضلية بل هي على ما جرت عادة العرب في بيان فضل الشيء وخصوصيته بالفضل دون مقابله كقوله :
شع فشركما لخيركما الفداء وكقول العرب : الشقاء أحب إليك أم السعادة . وكقوله ) السّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ ( وهذا الاستفهام على سبيل التوقيف والتوبيخ .
قال ابن عطية : ومن حيث كان الكلام استفهاماً جاز فيه

الصفحة 445