كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 449 "
وطلحة ) فَمَا تَسْتَطِيعُونَ ( بتاء الخطاب ، ويؤيد هذه القراءة أن الخطاب في ) كَذَّبُوكُمْ ( للكفار العابدين . وذكر عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرآ بما يقولون فما يستطيعون بالياء فيهما أي هم . ) صَرْفاً ( أي صرف العذاب أو توبة أو حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال ، هذا إن كان الخطاب في ) كَذَّبُوكُمْ ( للكفار فالتاء جارية على ذلك ، والياء التفات وإن كان للمعبودين فالتاء التفات . والياء جارية على ضمير ) كَذَّبُوكُمْ ( المرفوع وإن كان الخطاب للمؤمنين أمّة الرسول عليه السلام في قوله ) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ( فالمعنى أنهم شديد والشكيمة في التكذيب ) فَمَا تَسْتَطِيعُونَ ( أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك . وبالياء فما يستطيعون ) صَرْفاً ( لأنفسهم عما هم عليه . أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه . ) وَلاَ نَصْراً ( لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذبيهم .
( وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ ( الظاهر أنه عام . وقيل : خطاب للمؤمنين . وقيل : خطاب للكافرين . والظلم هنا الشرك قاله ابن عباس والحسن وابن جريج ، ويحتمل دخول المعاصي غير الشرك في الظلم . وقال الزمخشري : العذاب الكبير لا حق لكل من ظلم والكافر ظالم لقوله ) إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( والفاسق ظالم لقوله ) وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( انتهى وفيه دسيسة الاعتزال . وقرىء : يذقه بياء الغيبة أي الله وهو الظاهر . وقيل : هو أي الظلم وهو المصدر المفهوم من قوله ) يَظْلِمُ ( أي يذقه الظلم .
الفرقان : ( 20 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
ولما تقدم الطعن على الرسول بأكل الطعام والمشي في الأسواق أخبر تعالى أنها عادة مستمرة في كل رسالة ومفعول ) أَرْسَلْنَا ( عند الزجاج والزمخشري ومن تبعهما محذوف تقديره أحداً . وقدره ابن عطية رجالاً أو رسلاً . وعاد الضمير في ) أَنَّهُمْ ( على ذلك المحذوف كقوله ) وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ ( أي وما منا أحد والجملة عند هؤلاء صفة أعني قوله ) أَلاَ إِنَّهُمْ ( كأنه قال إلاّ آكلين وماشين . وعند الفراء المفعول محذوف وهو موصول مقدر بعد إلاّ أي إلاّ من . ) أَنَّهُمْ ( والضمير عائد على ) مِنْ ( على معناها فيكون استثناء مفرغاً وقيل : إنهم قبله قول محذوف أي ) إِلا ( قيل ) أَنَّهُمْ ( وهذان القولان مرجوحان في العربية . وقال ابن الأنباري : التقدير إلاّ وإنهم يعنى أن الجملة حالية وهذا هو المختار . قد ردّ على من قال إن ما بعد إلاّ قد يجيء صفة وإما حذف الموصول فضعيف وقد ذهب إلى حكاية الحال أيضاً أبو البقاء قال : وقيل لو لم تكن اللام لكسرت لأن الجملة حالية إذ المعنى إلاّ وهم يأكلون . وقرىء ) أَنَّهُمْ ( بالفتح على زيادة اللام وإن مصدرية التقدير إلاّ أنهم يأكلون أي ما جعلناهم رسلاً إلى الناس إلاّ لكونهم مثلهم . وقرأ الجمهور : ) وَيَمْشُونَ ( مضارع مشى خفيفاً . وقرأ عليّ وابن مسعود وعبد الرحمن بن عبد الله ) يَمْشُونَ ( مشدداً مبنياً للمفعول ، أي يمشيهم حوائجهم والناس . قال الزمخشري : ولو قريء ) يَمْشُونَ ( لكان أوجه لولا الرواية انتهى . وقد قرأ كذلك أبو عبد الرحمن السلمي مشدد مبنياً للفاعل ، وهي بمعنى ) يَمْشُونَ ( قراءة الجمهور . قال الشاعر : ومشى بأعطان المباءة وابتغى
قلائص منها صعبة وركوب
) وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ ). قال ابن عطية : هو عام للمؤن والكافر ، فالصحيح فتنة للمريض ، والغني فتنة للفقير ، والفقير الشاكر فتنة للغني ، والرسول المخصوص بكرامة النبوّة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره ، وكذلك العلماء وحكام العدل . وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب انتهى . وروي قريب من هذه عن ابن عباس والحسن . قال ابن عطية : والتوقيف بأتصبرون خاص للمؤمنين المحقين فهو لأمّة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين أي اختباراً ثم وقفهم . هل تصبرون أم لا ؟ ثم أعرب قوله ) وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ( عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين .
وقال الزمخشري : ) فِتْنَةً ( أي محنة وبلاء ، وهذا تصبر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) على ما قالوه واستبعدوه من أكله الطعام ومشيه في اوسواق

الصفحة 449