" صفحة رقم 454 "
عموم الظالم إذ اللام فيه للجنس قاله مجاهد وأبو رجاء ، وقالا : فلان هو كناية عن الشيطان .
وقال ابن عباس وجماعة : ) الظَّالِمِ ( هنا عقبة بن أبي معيط إذ كان جنح إلى الإسلام وأبيّ بن خلف هو المكني عنه بفلان ، وكان بينهما مخالة فنهاه عن الإسلام فقبل منه . وعن ابن عباس أيضاً . عكس هذا القول . قيل وسبب نزولها هو عقبة وأبي . وقيل : كان عقبة خليلاً لأمية فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمداً فكفر وارتد لرضا أمية فنزلت قاله الشعبي . وذكر من إساءة عقبة على الرسول ما كان سبب أن قال له الرسول عليه السلام : ( لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف ) . فقتل عقبة يوم بدر صبراً أمر علياً فضرب عنقه ، وقتل أبيّ بن خلف يوم أحد في المبارزة . والمقصود ذكر هول يوم القيامة بتندم الظالم وتمنيه أنه لم يكن أطاع خليله الذي كان يأمره بالظلم وما من ظالم إلا وله في الغالب خليل خاص به يعبر عنه بفلان . والظاهر أن ) الظَّالِمِ ( ) يَعَضُّ عَلَى يَدَيْهِ ( فعل النادم المتفجع . وقال الضحاك : يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت ، ولا يزال كذلك كلما أكلها نبتت . وقيل : هو مجاز عبر به عن التحير والغم والندم والتفجع ونقل أئمة اللغة أن المتأسف المتحزن المتندم يعض على إبهامه ندماً وقال الشاعر : لطمت خدها بحمر لطاف
نلن منها عذاب بيض عذاب
فتشكى العناب نور إقاح
واشتكى الورد ناضر العناب
وفي المثل : يأكل يديه ندماً ويسيل دمعه دماً . وقال الزمخشري : عض الأنامل واليدين والسقوط في اليد وأكل البنان وحرق الأسنان والإرم وفروعها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفها فتذكر الرادفة . ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة ، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجد عند لفظ المكنى عنه انتهى . وقال الشاعر في حرق الناب : أبى الضيم والنعمان يحرق نابه
عليه فأفضى والسيوف معاقله
) يِقُولُ ( في موضع الحال أي قائلاً ) ياوَيْلَتَا لَيْتَنِى ( فان كانت اللام للعهد فالمعنى أنه تمنى عقبة أن لو صحب النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ) وسلك طريق الحق ، وإن كانت اللام للجنس فالمعنى أنه تمنى . سلوك طريق الرسول وهو الإيمان ، ويكون الرسول للجنس لأن كل ظالم قد كلف اتّباع ما جاء به رسول من الله إلى أن جاءت الملة المحمدية فنسخت جميع الملل ، فلا يقبل بعد مجيئه دين غير الذي جاء به .
الفرقان : ( 28 - 29 ) يا ويلتى ليتني . . . . .
ثم ينادي بالويل والحسرة يقول ) يا ويلتي ( أي يا هلكاه كقوله ) نَفْسٌ ياحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ اللَّهِ ). وقرأ الحسن وابن قطيب ) ياوَيْلَتَا لَيْتَنِى ( بكسر التاء والياء ياء الإضافة وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها تعالي فهذا أوانك . وقرأت فرقة بالإمالة . قال أبو علي : وترك الإمالة أحسن لأن هذه اللفظة الياء فبدلت الكسرة فتحة والياء ألفاً فراراً من الياء فمن أمال رجع إلى الذي عنه فر أولاً . وفلان كناية عن العلم وهو متصرف وقل كناية عن نكرة الإنسان نحو : يا رجل وهو مختص بالنداء ، وفلة بمعنى يا امرأة كذلك ولام فل ياء أو واو وليس مرخماً من فلان خلافاً للفراء . ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط في قولهم فل كناية عن العلم كفلان . وفي كتاب سيبويه ما قلناه بالنقل عن العرب .
و ) الذّكْرِ ( ذكر الله أو القرآن أو الموعظة ، والظاهر حمل الشيطان على ظاهره لأنه هو الذي وسوس إليه في مخالة من أضله سماه شيطاناً لأنه يضل كما يضل الشيطان ثم خذ له ولم ينفعه في العاقبة . وتحتمل هذه الجملة أن تكون من تمام كلام الظالم ، ويحتمل أن تكون إخباراً من كلام الله على جهة الدلالة على وجه ضلالهم والتحذير من الشيطان الذي بلغهم ذلك