كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 462 "
بينهما ، فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر ، فكما أن المهتدي يقتدي بالهادي والدليل ويلازمه فكذلك الأظلال ملازمة للأضواء ، ولذلك جعل الشمس دليلاً عليه انتهى . ملخصاً وهو مأخوذ من كلام الزمخشري ، ومحسن بعض تحسين . والآية في غاية الظهور ولا تحتاج إلى هذا التكثير .
وقال أيضاً : ) الظّلّ ( ليس عدماً محضاً بل هو أضواء مخلوطة بظلام ، فهو أمر وجودي وفي تحقيقه دقيق يرجع فيه إلى الكتب العقلية انتهى . والآية في غاية الوضوح ولا تحتاج إلى هذا التكثير وقد تركت أشياء من كلام المفسرين مما لا تمس إليه الحاجة .
الفرقان : ( 47 ) وهو الذي جعل . . . . .
( جَعَلَ الَّيْلَ لِبَاساً ( تشبيهاً بالثوب الذي يغطي البدن ويستره من حيث الليل يستر الأشياء . والسبات : ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضاً فشبه النوم به ، والسبت الإقامة في المكان فكان السبات سكوناً تاماً والنشور هنا الإحياء شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة اللذين يتضمنهما النوم والسبات انتهى . ومن كلام ابن عطية وقال غيره : السبات الراحة جعل ) نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ( أي سبب راحة .
وقال الزمخشري : السبات الموت وهو كقوله ) وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ ( فإن قلت : هلا فسرته بالراحة ؟ قلت : النشور في مقابلته يأباه انتهى . ولا يأباه إلاّ لو تعين تفسير خبر مبتدأ محذوف ، و ) الرَّحْمَنُ ( صفة له . أو يكون ) الَّذِى ( منصوباً على إضمار أعني ويجوز على مذهب الأخفش أن يكون ) الرَّحْمَنُ ( مبتدأ . و ) فَاسْأَلِ ( خبره تخريجه على حد قول الشاعر : وكم لظلام الليل عندي من يد
تخبر أن المانوية تكذب
والنوم واليقظة وشبههما بالموت والحياة أي عبرة فيهما لمن اعتبر . وعن لقمان أنه قال لابنه : يا بني كما تنام فتوقظ فكذلك تموت فتنشر .
الفرقان : ( 48 ) وهو الذي أرسل . . . . .
وتقدم الخلاف في قراءة الريح بالإفراد والجمع في البقرة . قال ابن عطية : وقراءة الجمع أوجه لأن عرف الريح متى وردت في القرآن مفردة فإنما هي للعذاب ، ومتى كانت للمطر والرحمة فإنما هي رياح لأن ريح المطر تتشعب وتتداءب وتتفرّق وتأتي لينة ومن ههنا وههنا وشيئاً اثر شيء ، وريح العذاب خرجت لاتتداءب وإنما تأتي جسداً واحداً . ألا ترى أنها تحطم ما تجد وتهدمه . قال الرماني : جمعت رياح الرحمة لأنها ثلاثة لواقح : الجنوب ، والصبا ، والشمال . وأفردت ريح العذاب لأنها واحدة لا تلقح وهي الدبور . قال أي ابن عطية : يرد هذا قول النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ) : إذا هبت الريح : ( اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ) انتهى . ولا يسوغ أن يقال : هذه القراءة أوجه لأنه كلاً من القراءتين متواتر والألف واللام في الريح للجنس فتعم ، وما ذكر من أن قول الرماني يرده الحديث فلا يظهر لأنه يجوز أن يريد بقوله عليه السلام : ( رياحاً ) . الثلاثة اللواقح وبقوله ( ولا تجعلها ريحاً ) الدبور . فيكون ما قاله الرماني مطابقاً للحديث على هذا المفهوم .
وتقدم الخلاف في قراءة ) نَشْراً ( وفي مدلوله في الأعراف ) بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ ( استعارة حسنة أي قدام المطر لأنه يجيء معلماً به . والطهور فعول إما للمبالغة كنؤوم فهو معدول عن طاهر ، وإما أن يكون اسماً لما يتطهر به كالسحور والفطور ، وإما مصدر لتطهر جاء على غير المصدر حكاه سيبويه . والظاهر في قوله ) مَاء طَهُوراً ( أن يكون للمبالغة في طهارته وجهة المبالغة كونه لم يشبه شيء بخلاف ما نبع من الأرض ونحوه فإنه تشوبه أجزاء أرضية من مقره أو ممره أو مما يطرح فيه ، ويجوز أن يوصف بالاسم وبالمصدر . وقال ثعلب : هو ما كان طاهراً في نفسه مطهراً لغيره ، فإن كان ما قاله شرحاً لمبالغته في الطهارة كان سديداً ويعضده ) وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السَّمَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ

الصفحة 462