كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 468 "
الراء وهو يجمع الأنوار ، فيكون خص القمر بالذكر تشريفاً . وقرأ الأعمش أيضاً والنخعي وابن وثاب كذلك بسكون الراء . وقرأ الحسن والأعمش والنخعي وعصمة عن عاصم ) وقُمر ( بضم القاء وسكون الميم فالظاهر أنه لغة في القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب . وقيل : جمع قمراء أي ليلة قمراء كأنه قال : وذا قمر منير لأن الليلة تكون قمراء بالقمر ، فأضافه إليها ونظيره في بقاء حكم المضاف بعد سقوطه وقيام المضاف إليه مقامه قول حسان :
بردى يصفق بالرحيق السلسل
يريد ماء بردى . فمنيراً وصف لذلك المحذوف كما قال يصفق بالياء من تحت ، ولو لم يراع المضاف لقال : تصفق بالتاء وقال ) وَقَمَراً مُّنِيراً ( أي مضيئاً ولم يجعله ) سِرَاجاً ( كالشمس لأنه لا توقد له .
الفرقان : ( 62 ) وهو الذي جعل . . . . .
وانتصب ) خِلْفَةً ( على الحال . فقيل : هو مصدر خلف خلفة . وقيل : هو اسم هيئة كالركبة ووقع حالاً اسم الهيئة في قولهم : مررت بماء قعدة رجل ، وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر . والمعنى جعلهما ذوي خلفة أي ذوي عقبة يعقب هذا ذاك وذاك هذا ، ويقال الليل والنهار يختلفان كما يقال يعتقبان ومنه قوله ) وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( ويقال : بفلان خلفة واختلاف إذا اختلف كثيراً إلى متبرزه ومن هذا المعنى قول زهير :
بها العيس والآرام يمشين خلفة
وقول الآخر
يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأباً : ولها بالما طرون إذا
أكل النمل الذي جمعا
خلفة حتى إذا ارتفعت
سكنت من جلق بيعا
في بيوت وسط دسكرة
حولها الزيتون قد ينعا
وقيل ) خِلْفَةً ( في الزيادة والنقصان . وقال مجاهد وقتادة والكسائي : هذا أسود وهذا أبيض وهذا طويل وهذا قصير . ) لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ). قال عمر وابن عباس والحسن : معناه ) لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ( ما فاته من الخير والصلاة ونحوه في أحدهما فيستدركه في الذي يليه . وقال مجاهد وغيره : أي يعتبر بالمصنوعات ويشكر الله تعالى على نعمه عليه في العقل والفكر والفهم . وقال الزمخشري : وعن أبي بن كعب يتذكر والمعنى . لينظر في اختلافهما الناظر فيعلم أن لا بد لانتقالهما من حال إلى حال وتغيرهما من نافل ومغير ، ويستدل بذلك على عظم قدرته ويشكر الشاكر على النعمة من السكون بالليل والتصرف بالنهار كما قال تعالى : ) وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ( وليكونا وقتين للمتذكر والشاكر من فاته في أحدهما ورده من العبادة أتى به في الآخر . وقرأ النخعي وابن وثاب وزيد بن عليّ وطلحة وحمزة تذكر مضارع ذكر خفيفاً .
الفرقان : ( 63 ) وعباد الرحمن الذين . . . . .
ولما تقدم ذكر الكفار وذمهم جاء ) لَّمّاً أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ( ذكر أحوال المؤمنين المتذكرين الشاكرين فقال : ) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ( وهذه إضافة تشريف وتفضل ، وهو جمع عبد . وقال ابن بحر : جمع عابد كصاحب وصحاب ، وتاجر وتجار ، وراجل ورجال ، أي الذين يعبدونه حق عبادته .

الصفحة 468