" صفحة رقم 470 "
بلاغة في الجواب كما يذكر عنه فقال له المأمون : فما أجابك به ؟ قال : كان يقول لي سلاماً سلاماً ، فنبهه المأمون على هذه الآية وقال : يا عم قد أجابك بأبلغ جواب . فخزي إبراهيم واستحيا ، وكان إبراهيم لم يحفظ الآية أو ذهب عنه حالة الحكاية .
والبيتوتة هو أن يدرك الليل نمت أو لم تنم ، وهو خلاف الظلول وبجبيلة وأزد السراة يقولون : بيات وسائر العرب يقولون : يبيت ،
الفرقان : ( 64 ) والذين يبيتون لربهم . . . . .
ولما ذكر حالهم بالنهار بأنهم يتصرفون أحسن تصرف ذكر حالهم بالليل والظاهر أنه يعنى إحياء الليل بالصلاة أو أكثره . وقيل : من قرأ شيئاً من القرآن بالليل في صلاة فقد بات ساجداً وقائماً . وقيل : هما الركعتان بعد المغرب ، والركعتان بعد العشاء . وقيل : من شفع وأوتر بعد أن صلى العشاء فقد دخل في هذه الآية . وفي هذه الآية حض على قيام الليل في الصلاة . وقدم السجود وإن كان متأخراً في الفعل لأجل الفواصل ، ولفضل السجود فإنها حالة أقرب ما يكون العبد فيها من الله . وقرأ أبو البرهثيم : سجوداً على وزن قعوداً .
الفرقان : ( 65 ) والذين يقولون ربنا . . . . .
ومدحهم تعالى بدعائه أن يصرف عنهم عذاب جهنم وفيه تحقيق إيمانهم بالبعث والجزاء . قال ابن عباس : ) غَرَاماً ( فظيعاً وجيعاً . وقال الخدري : لازماً ملحاً دائماً . قال الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلاّ غريم جهنم . وقال السدّي : شديداً . وأنشدوا على أن ) غَرَاماً ( لازماً قوله الشاعر وهو بشر بن أبي خازم : ويوم اليسار ويوم الجفار
كانا عذاباً وكانا غراماً
وقال الأعشى . إن يعاقب يكن غراما
وإن يعط جزيلاً فإنه لا يبالي وصفهم بإحياء الليل ساجدين ثم عقبه بذكر دعائهم هذا إيذاناً بأنهم مع اجتهادهم خائفون يبتهلون إلى الله في صرف العذاب عنهم .
الفرقان : ( 66 ) إنها ساءت مستقرا . . . . .
و ) سَاءتْ ( احتمل أن يكون بمعنى بئست . والمخصوص بالذم محذوف وفي ) سَاءتْ ( ضمير مبهم ويتعين أن يكون ) مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ( تمييز . والتقدير ) سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ( هي وهذا المخصوص بالذم هو رابط الجملة الواقعة خبراً لأن . ويجوز أن يكون ) سَاءتْ ( بمعن أحزنت فيكون المفعول محذوفاً أي ساءتهم . والفاعل ضمير جهنم وجاز في ) مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ( أن يكونا تمييزين وأن يكونا حالين قد عطف أحدهما على الآخر . والظاهر أن التعليلين غير مترادفين ذكر أولاً لزوم عذابها ، وثانياً مساءة مكانها وهما متغايران وإن كان يلزم من لزوم العذاب في مكان دم ذلك المكان . وقيل : هما مترادفان ، والظاهر أنه من كلام الداعين وحكاية لقولهم . وقيل : هو من كلام الله ، ويظهر أن قوله ) وَمُقَاماً ( معطوف على سبيل التوكيد لأن الاستقرار والإقامة كأنهما مترادفان . وقيل : المستقر للعصاة من أهل الإيمان فإنهم يستقرون فيها ولا يقيمون ، والإقامة للكفار . وقرأت فرقة ) وَمُقَاماً ( بفتح الميم أي مكان قيام ، والجمهور بالضم أي مكان إقامة .
الفرقان : ( 67 ) والذين إذا أنفقوا . . . . .
( لَمْ يُسْرِفُواْ ( ولم يقتروا . قال أبو عبد الرحمن الجيلي : الإنفاق في غير طاعة اسراف ، والإمساك عن طاعة إقتار . وقال معناه ابن عباس ومجاهد وابن زيد . وسمع رجل رجلاً يقول : لا خير في الإسراف فقال : لا إسراف في الخير . وقال عون بن عبد الله بن عتبة : الإسراف أن تنفق مال غيرك . وقال النخعي : هو الذي لا يجيع ولا يُعَرِّي ولا ينفق نفقة يقول : الناس قد أسرف . وقال يزيد بن أبي حبيب : هم الذين لا يلبسون الثياب للجمال ولا يأكلون طعاماً للذة وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته فاطمة : ما نفقتك ؟ قال له عمر : الحسنة بين