كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 472 "
سورة الأنعام . وقرىء ) يَلْقَ ( بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة وابن مسعود وأبو رجاء يلقى بألف ، كان نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فأقر الألف . والآثام في اللغة العقاب وهو جزاء الإثم . قال الشاعر : جزى الله ابن عروة حيث أمسى
عقوق والعقوق له آثام أي حد وعقوبة وبه فسره قتادة وابن زيد . وقال عبد الله بن عمرو ومجاهد وعكرمة وابن جبير : آثام واد في جهنم هذا اسمه جعله الله عقاباً للكفرة . وقال أبو مسلم : الآثام الإثم ، ومعناه ) يَلْقَ ( جزاء آثام ، فأطلق اسم الشيء على جزائه . وقال الحسن : الآثام اسم من أسماء جهنم . وقيل : بئر فيها . وقيل : جبل . وقرأ ابن مسعود : يلق أياماً جمع يوم يعني شدائد . يقال : يوم ذو أيام لليوم العصيب . وذلك في قوله ) وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ ( يظهر أنه إشارة إلى المجموع من دعاء إله وقتل النفس بغير حق والزنا ، فيكون التضعيف مرتباً على مجموع هذه المعاصي ، ولا يلزم ذلك التضعيف على كل واحد منها . ولا شك أن عذاب الكفار يتفاوت بحسب جرائمهم .
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ ( مبنياً للمفعول وبألف ) وَيَخْلُدْ ( مبنياً للفاعل . والحسن وأبو جعفر وابن كثير كذلك إلاّ أنهم شددوا العين وطرحوا الألف . وقرأ أبو جعفر أيضاً وشيبة وطلحة بن سليمان نضعف بالنون مضمومة وكسر العين مشددة ) الْعَذَابَ ( نصب . وطلحة بن مصرف ) يُضَاعِفُ ( بالياء مبنياً للفاعل ) الْعَذَابَ ( نصب . وقرأ طلحة بن سليمان وتخلد بتاء الخطاب على الالتفات مرفوعاً أي وتخلد أيها الكافر . وقرأ أبو حيوة ) وَيَخْلُدْ ( مبنياً للمفعول مشدد اللام مجزوماً . ورويت عن أبي عمرو وعنه كذلك مخففاً . وقرأ أبو بكر عن عاصم ) يُضَاعِفُ ( ) وَيَخْلُدْ ( بالرفع عنهما وكذا ابن عامر والمفضل عن عاصم ) يُضَاعِفُ ( ) وَيَخْلُدْ ( مبنياً للمفعول مرفوعاً مخففاً . والأعمش بضم الياء مبنياً للمفعول مرفوعاً مخففاً . والأعمش بضم الياء مبنياً للمفعول مشدداً مرفوعاً فالرفع على الاستئناف أو الحال والجزم على البدل من ) يَلْقَ ). كما قال الشاعر : متى تأتنا تلمم بنافي ديارنا
تجد حطباً جزلاً وناراً تأججاً
والضمير في ) فِيهِ ( عائد على العذاب ، والظاهر أن توبة المسلم القاتل النفس بغير حق مقبولة خلافاً لابن عباس ، وتقدم ذلك في النساء وتبديل سيئاتهم حسنات هو جعل أعمالهم بدل معاصيهم الأول طاعة ويكون ذلك سبب رحمة الله إياهم قاله ابن عباس . وابن جبير والحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وردوا على من قال هو في يوم القيامة . وقال الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنة ، ولكن السيئة تُمْحَى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يحبط عملة وتثبت عليه السيئات . وتأول ابن مسيب ومكحول أن ذلك يوم القيامة وهو بمعنى كرم العفو . وفي كتاب مسلم إن الله يبدل يوم القيامة لمن يريد المغفرة له من الموحدين بدل سيئات حسنات . وقالا تُمحى السيئة ويثبت بدلها حسنة . وقال القفال والقاضي : يبدل العقاب بالثواب فذكرهما وأراد ما يستحق بهما .
( إِلاَّ مَن تَابَ ( استثناء متصل من الجنس ، ولا يظهر لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه ) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ ( فيصير التقدير ) إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ( فلا يضاعف له العذاب . ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف فالأولى عندي أن يكون استثناء منقطعاً أي لكن من تاب وآمن عمل صالحاً ) فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ( وإذا كان كذلك فلا يلقى عذاباً ألبتة و ) سَيّئَاتِهِمْ ( هو المفعول الثاني ، وهو أصله أن يكون مقيداً بحرف الجر أي بسيئاتهم . و ) حَسَنَاتٍ ( هو المفعول الأول وهو المصرح كما قال تعالى ) وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ). وقال الشاعر :

الصفحة 472