كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 50 "
وقرأ الجمهور : ) يَدَّعُونَ ( بياء الغيبة وابن مسعود وقتادة بتاء الخطاب ، وزيد بن عليّ بياء الغيبة مبنياً للمفعول ، والمعنى يدعونهم آلهة أو يدعونهم لكشف ما حل بكم من الضر كما حذف من قوله ) قُلِ ادْعُواْ ( أي ادعوهم لكشف الضر .
وفي قوله : ) زَعَمْتُمْ ( ضمير محذوف عائد على ) الَّذِينَ ( وهو المفعول الأول والثاني محذوف تقديره زعمتموهم آلهة من دون الله ، و
الإسراء : ( 57 ) أولئك الذين يدعون . . . . .
( أُوْلَائِكَ ( مبتدأ و ) الَّذِينَ ( صفته ، والخبر ) يَبْتَغُونَ ). و ) الْوَسِيلَةَ ( القرب إلى الله تعالى ، والظاهر أن ) أُوْلَائِكَ ( إشارة إلى المعبودين والواو في ) يَدَّعُونَ ( للعابدين ، والعائد على ) الَّذِينَ ( منصوب محذوف أي يدعونهم .
وقال ابن فورك : الإشارة بقوله بأولئك إلى النبيين الذين تقدّم ذكرهم ، والضمير المرفوع في ) يَدَّعُونَ ( و ) يَبْتَغُونَ ( عائد عليهم ، والمعنى يدعون الناس إلى دين الله ، والمعنى على هذا أن الذين عظمت منزلتهم وهم الأنبياء لا يعبدون إلاّ الله ولا يبتغون الوسيلة إلاّ إليه ، فهم أحق بالاقتداء بهم فلا يعبدوا غير الله .
وقرأ الجمهور : ) إِلَى رَبّهِمُ ( بضمير الجمع الغائب . وقرأ ابن مسعود إلى ربك بالكاف خطاباً للرسول ، واختلفوا في إعراب ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( وتقديره . فقال الحوفي : ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( ابتداء وخبر ، والمعنى ينظرون ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( فيتوسلون به ويجوز أن يكون ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( بدلاً من الواو في ) يَبْتَغُونَ ( انتهى . ففي الوجه الأول أضمر فعل التعليق ، و ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن نظر إن كان بمعنى الفكر تعدّى بفي ، وإن كانت بصرية تعدّت بإلى ، فالجملة المعلق عنها الفعل على كلا التقديرين تكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر كقوله ) فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ( وفي إضمار الفعل المعلق نظر ، والوجه الثاني قاله الزمخشري قال : وتكون أي موصولة ، أي يبتغى من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب انتهى . فعلى الوجه يكون ) أَقْرَبُ ( خبر مبتدأ محذوف ، واحتمل ) أَيُّهُم ( أن يكون معرباً وهو الوجه ، وأن يكون مبنياً لوجود مسوغ البناء . قال الزمخشري : أو ضمن ) يَبْتَغُونَ ( ) الْوَسِيلَةَ ( معنى يحرصون فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله ، وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح ، فيكون قد ضمن ) يَبْتَغُونَ ( معنى فعل قلبي وهو يحرصون حتى يصح التعليق ، وتكون الجملة الابتدائية في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن حرص يتعدى بعلى ، كقوله ) إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ ).
وقال ابن عطية : و ) أَيُّهُم ( ابتدأ و ) أَقْرَبُ ( خبره ، والتقدير نظرهم وودكهم ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها ، أي يتبارون في طلب القرب . فجعل المحذوف نظرهم وودكهم وهذا مبتدأ فإن جعلت ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( في موضع نصب بنظرهم المحذوف بقي المبتدأ الذي هو نظرهم بغير خبر محتاج إلى إضمار الخبر ، وإن جعلت ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( هو الخبر فلا يصح لأن نظرهم ليس هو ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( وإن جعلت التقدير نظرهم في ) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ( أي كائن أو حاصل فلا يصح ذلك لأن كائناً وحاصلاً ليس مما تعلق .
وقال أبو البقاء : ) أَيُّهُم ( مبتدأ و ) أَقْرَبُ ( خبره ، وهو استفهام في موضع نصب بيدعون ، ويجوز أن يكون ) أَيُّهُم ( بمعنى الذي وهو بدل من الضمير في ) يَدَّعُونَ ( والتقدير الذي هو أقرب انتهى . ففي الوجه الأولى علق ) يَدَّعُونَ ( وهو ليس فعلاً قلبياً ، وفي الثاني فصل بين الصلة ومعمولها بالجملة الحالية ، ولا يضر ذلك لأنها معمولة للصلة ) وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ( كغيرهم من عباد الله ، فكيف يزعمون أنهم آلهة ) إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا ( يحذره كل أحد .
و
الإسراء : ( 58 ) وإن من قرية . . . . .
( إِنَّ مِنْ قَرْيَةٌ ( ) ءانٍ ( نافية و ) مِنْ ( زائدة في المبتدأ تدل على استغراق الجنس ، والجملة بعد ) إِلا ( خبر المبتدأ . وقيل : المراد الخصوص والتقدير وإن من قرية ظالمة . وقال ابن عطية : ومن لبيان الجنس على قول من يثبت لها هذا المعنى هو أن يتقدم قبل ذلك ما يفهم منه إبهام ما فتأتي ) مِنْ ( لبيان ما

الصفحة 50