كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 6)

" صفحة رقم 6 "
يشاهدا ذلك لصغر عائشة وكفر معاوية إذ ذاك ، ولأنهما لم يسندا ذلك إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا حدّثا به عنه . وعن الحسن كان في المنام رؤيا رآها وقوله : ) بِعَبْدِهِ ( هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقال أبو القاسم سليمان الأنصاري : لما وصل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعارج أوحى الله إليه : يا محمد أشرفك ؟ قال : يا رب بنسبتي إليك بالعبودية ، فأنزل فيه ) سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ ( الآية انتهى . وعنه قالوا : عبد الله ورسوله ، وعنه إنما أنا عبد وهذه إضافة تشريف واختصاص . وقال الشاعر : لا تدعني إلا بيا عبدها
لأنه أشرف أسمائي
وقال العلماء : لو كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة .
وانتصب ) لَيْلاً ( على الظرف ، ومعلوم أن السُّرَى لا يكون في اللغة إلا بالليل ، ولكنه ذكر على سبيل التوكيد . وقيل : يعني في جوف الليل فلم يكن إدلاجاً ولا إدّلاجاً . وقال الزمخشري : أراد بقوله : ) لَيْلاً ( بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة ، وذلك أن التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية ، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة من الليل أي بعض الليل كقوله : ) وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ( على الأمر بالقيام في بعض الليل انتهى . والظاهر أن قوله : ) مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( هو المسجد المحيط بالكعبة بعينه ، وهو قول أنس . وقيل من الحجر . وقيل من بين زمزم والمقام . وقيل من شعب أبي طالب . وقيل من بيت أم هانىء . وقيل من سقف بيته عليه السلام ، وعلى هذه الأقوال الثلاثة يكون أطلق المسجد الحرام على مكة . وقال قتادة ومقاتل : قبل الهجرة بعام . وقالت عائشة بعام ونصف في رجب . وقيل في سبع عشرة من ربيع الأول والرسول عليه السلام ابن إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يوماً . وعن ابن شهاب بعد المبعث بسبعة أعوام . وعن الحربي ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ، والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة وقبل بيعة العقبة ، ووقع لشريك بن أبي نمر في الصحيح أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه ، ولا خلاف بين المحدثين أن ذلك وهم من شريك . وحكى الزمخشري عن أنس والحسن أنه كان قبل المبعث .
وقال أبو بكر محمد بن عليّ بن القاسم الرعيني في تاريخه : أسري به من مكة إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء قبل مبعثه بثمانية عشر شهراً ، ويروى أنه كان نائماً في بيت أم هانىء بعد صلاة العشاء ، فأسري به ورجع من ليلته وقص القصة على أم هانىء وقال : ( مثل لي النبيون فصليت بهم ) . وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانىء بثوبه فقال : ( مالك ) ؟ قالت : أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم ، قال : ( وإن كذبوني ) فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بحديث الإسراء . فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلم فحدثهم فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً ، وارتد ناس ممن كان آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر فقال : إن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : أتصدقه على ذلك ؟ قال : إني لأصدقه على أبعد من ذلك ، فسمي الصديق رضي الله تعالى عنه . ومنهم من سافر إلى المسجد الأقصى فاستنعتوه ، فجلى له بيت المقدس فطفق ينظر إليه وينعته لهم ، فقالوا : أما النعت فقد أصاب فقالوا : أخبرنا عن عيرنا ، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال : ( تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق ) فخرجوا يشتدّون ذلك اليوم نحو الثنية . فقال قائل منهم : والله هذه الشمس قد شرقت . وقال آخر : وهذه والله العير قد أقبلت بقدمها جمل أورق كما قال محمد ثم لم يؤمنوا وقالوا : ما هذا إلاّ سحر بين ، وقد عرج به إلى السماء في تلك

الصفحة 6