كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 6)

وافرض أنَّه عُلِم عُذْرُه، فإنَّها على ذلك تسقط الثِّقة به في الإصلاح، فإذا قال خيرًا أو نَمَى خيرًا بعد ذلك لم يُصَدَّق، وإن كان صادقًا؛ لأنّه قد عُرِف استحلاله الكذب في ذلك، ومع هذا فإنها تَتَزَلْزَل (¬١) الثقة بخبره في غير الإصلاح أيضًا، إذ يقول الناس: لعلَّه يَرَى في خبره هذا إصلاحًا، فيستحلّ الكذب فيه!
وقريبٌ مِنْ هذا: حالُ الكذب في الحرب، وكذبُ كلٍّ من الزوجين على الآخر.
وأنا نفسي كانت إذا سألتني زوجتي ما لا أريد أقول لها: أفعل إن شاء الله! قاصدًا التَّعليق، فلمَّا قلتُ ذلك ثلاث مرَّاتٍ أو أزْيَدَ فَطِنَت للقضَّية! فصارَت لا تثق بوعدي إذا قلتُ: سأفعل إن شاء الله، فوقعتُ في مشكلةٍ؛ لأنّني أحتاج إلى أن أقول: "إن شاء الله" في كل وعدٍ وإن أردت الوفاء به؛ للأمر الشرعي بذلك (¬٢).
وقولك لظالمٍ: "دعوتُ لك أمس" فيه مفاسد؛ لأنَّه إن كان يُحْسِن الظَّن بك، وحَمَل قولَك على ظاهره جَرَّأَه ذلك على الظُّلم، قائلًا: إنّ دعاء هذا الصَّالح لي يدلُّ على أنَّه يراني من أهل الخير، وأنَّ ما يخطر لي من التأويل في هذه الأمور التي يزعم الناس أنَّها ظلمٌ هو تأويلٌ صحيحٌ! وما من ظالمٍ إلَّا والشيطان يوسوسُ له بتأويلٍ ما يبرِّر به صنيعه.
---------------
(¬١) كذا في الأصل، والضمير للقصة.
(¬٢) يعني لأمر الشارع في قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤].

الصفحة 16