كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 6)

إلَّا أنَّ بعضهم تأوَّل خبرًا في الصِّيام، فسَرَد الصَّوم، وكان بعض أصاغرهم يواصل (¬١).
ثم نشأ أفرادٌ من التَّابعين رغبوا في كثرة العبادة وحبِّ العُزلة، وظهر من بعضهم التَّخاشع في الهيئة والمشي والجلوس، والصَّعق عند الذِّكر، وظهر أثر السُّجود على الجبهة = فأنكر عليهم ذلك من أدركهم من الصَّحابة وكبار التَّابعين.
فأنكرت عائشة وغيرها على الذين يتخاشعون في الهيئة والمشي (¬٢).
وقال لهم قائلٌ: «لا تموِّتوا علينا ديننا» (¬٣).
---------------
(¬١) هو عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما، وروي أيضًا عن غيره، كما في «المصنَّف» لابن أبي شيبة (٩٦٩٢) وغيره، قال الحافظ في «فتح الباري» (٤/ ٢٠٤): «بإسنادٍ صحيحٍ».
(¬٢) اشتهر نسبة ذلك إليها في كتب ذمِّ البِدَع، وغريب الحديث، واللُّغة والأدب، ففيها: أنَّ رجلًا مرَّ بعائشة رضي الله عنها متماوتًا، فقالت: مالَهُ؟ قالوا: متخشِّعٌ! قالت: «هو أخشع من عمر! وكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع». ولم أره مسندًا.
ويُنظَر: «الفائق» للزمخشري (١/ ٢٨٠)، و «النِّهاية» لابن الأثير (٣/ ٣٧٠)، و «محاضرات الأدباء» للراغب (٢/ ٤٢٨)، و «الباعث» لأبي شامة (ص ٨٢)، وغيرها.
وهو مسندٌ بنحوه عن الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها، كما أخرجه عنها ابن سعد في «الطَّبقات» (٣/ ٢٩٠)، ومن طريقه الطَّبري في «تاريخ الرسل والملوك» (٤/ ٢١٢)، وغيرهما.
(¬٣) اشتهر في كتب ذمِّ البِدَع، وغريب الحديث واللُّغة والأدب نسبة ذلك إلى عمر رضي الله عنه. ففيها: أنَّ عمر رضي الله عنه رأى رجلًا متماوتًا في إظهار النُّسك، فعلاه بالدِّرَّة، وقال: «لا تُمِت علينا ديننا». وفي بعضها: «ارفع رأسك؛ فإنَّ الإسلام ليس بمريضٍ». ولم أره مسندًا.
ويُنظَر: «النِّهاية» لابن الأثير (٣/ ٣٧٠)، و «محاضرات الأدباء» للرَّاغب (٢/ ٤٢٨)، و «الباعث» لأبي شامة (ص ٨٢).
ورأيته مسندًا عن عمر بنحو معناه، ولكن دون ذكر التَّماوت، فأخرج الدينوري في «المجالسة» (١٦٩١)، ومن طريقه ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (١/ ٣٥٥)، بسنده عن محمد بن عبد الله القرشي عن أبيه قال: «نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شابٍ قد نكس رأسه، فقال له: يا هذا ارفع رأسك؛ فإنَّ الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر للناس خشوعًا فوق ما في قلبه فإنَّما أظهر نفاقًا على نفاقٍ». وأخرجه ابن أبي الدُّنيا في «الإخلاص والنيَّة» (٤٣)، وفي «الرِّقَّة والبكاء» (١٥٤)، ومن طريقه ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (١/ ٣٥٥) بسنده عن كهمس بن الحسن: «أنَّ رجلًا تنفَّس عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه كأنَّه يتحازن، فلَكَزَه عمر ــ أو قال: ــ لكمه».

الصفحة 279