كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 6)
بل اعتبر بعضهم لو صدر القبول مع الرجوع في وقت واحد، اعتبر الرجوع، وبطل الإيجاب.
قال ابن الهمام: "لو صادف رد البائع قبول المشتري بطل" (¬١).
وقيل: إذا صدر إيجاب بات فليس له حق الرجوع، والإيجاب البات هو ما صدر بصيغة الماضي، أو صدر بغير الماضي وكان هناك قرينة أنه أراد البيع (¬٢)،
---------------
=وقال النووي في المجموع (٩/ ١٩٩): "إذا وجد أحد شقي العقد من أحدهما اشترط إصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر".
وإذا كان الشافعية والحنابلة يقولون بخيار المجلس كما سيأتي إن شاء الله تحرير الخلاف فيه، فإن هذا يعني جواز رجوع الموجب عن إيجابه حتى بعد صدور القبول من الطرف الآخر، فمن باب أولى أن يصح رجوعه قبل اتصال القبول به.
وقد اعتمد القانون الأردني على قول الجمهور، فقد نصت المادة (٩٦) مدني بقولها: "المتعاقدان بالخيار بعد الإيجاب إلى آخر المجلس، فلو رجع الموجب بعد الإيجاب، وقبل القبول أو صدر من أحد المتعاقدين قول أو فعل يدل على الإعراض يبطل الإيجاب، ولا عبرة بالقبول الواقع بعد ذلك".
وانظر مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني. د. أنور سلطان (ص ٥٦).
وفي نظرية العقد للسنهوري فكر في حاشية (١/ ٢٤٤): "وفي القانون الإِنجليزي: يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه قبل اقتران القبول به، حتى لو كان قد حدد مدة للقبول، وضرب بولوك لذلك مثلًا: رجل عرض على آخر في الصباح أن يبيعه سلعة، وانتظره إلى الساعة الرابعة بعد الظهر ليبت في الشراء، ففي هذه الحالة يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه، ويبيع السلعة لآخر حتى قبل حلول الموعد المضروب، ما دام الطرف الآخر لم يقبل الصفقة".
(¬١) شرح فتح القدير (٦/ ٢٥٤).
(¬٢) ذكر المالكية مثالًا للقرينة الدالة على أنه أراد البيع كما لو كان في الكلام تردد، فجاء في حاشية الدسوقي (٣/ ٤): "تردد الكلام يدل على أنه غير لاعب، وذلك كأن يقول المشتري: يا فلان بعني سلعتك بعشرة، فيقول: لا، فيقول له بأحد عشر، فيقول: لا، ثم يقول البائع: أبيعكها باثني عشر، فيقول المشتري: قبلت، فيلزم البيع، ولا رجوع للبائع بعد ذلك. ولو حلف أنه لم يرد البيع". اهـ =