كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 6)
وربيعة، ومالك، ومن تبعه، وقد اختلف فيها أيضًا عن ربيعة فيما ذكر بعض الشافعيين.
وقال ابن أبي ذئب - وهو من جلة فقهاء المدينة -: من قال: إن البيعان ليسا بالخيار حتى يفترقا استتيب، وجاء بقول فيه خشونة تركت ذكره، وهو محفوظ عند العلماء ... " (¬١).
الراجح من الخلاف:
بعد استعراض الأدلة أجد أن القول الأقوى في هذه المسألة, هو قول الشافعية الحنابلة، فالأحاديث صحيحة وصريحة في ثبوت خيار المجلس، ويعتذر عن مالك - رضي الله عنه - بكونه لم يأخذ بالحديث مع علمه به واطلاعه على صحته: بأنه ما من عالم إلا ترك جملة من أدلة الكتاب أو السنة لمعارض راجح عنده، وليس هذا خاصًا بمالك - رضي الله عنه -، وهو مأجور على اجتهاده، وهو دليل على أن العالم مهما بلغ من العلم إلا ويقع له في اجتهاده ما يجانب الصواب، وهذا لا يقدح في مكانة الإِمام، ولا في علمه، ولا يدعو ذلك إلى ترك الانتفاع به لهذه المسألة أو لعشرات مثلها، وإذا كان هذا مع مالك، عالم المدينة، وهو من هو في الحفظ والإتقان، ورجوح العقل، مع إمامة في الفقه، وكمال في الورع، فكيف يكون الحال مع صغار الطلبة (¬٢).
---------------
(¬١) الاستذكار (٢٠/ ٢٣٣).
(¬٢) لعلنا نفقه من هذه المسألة وأمثالها طريقة التعامل مع الخلاف الصادر من طلبة العلم، وكيف نتقبل هذا الخلاف باحترام وأدب، فإذا توجه نقدنا للقول بينا ضعفه فيما نظن أننا نخدم العلم، ونقوم بالواجب، وإذا توجه نقدنا للقائل تعاملنا معه بحسن نية، وسلامة صدر، وإحسان ظن بالباعث، وتفهمنا اختلاف المدارك والعقول، دون تجريح للقائل، ودون تسفيه للرأي، خاصة أنها في مسائل يعاد فيها الخلاف ويكرر من الصدر الأول، ولا يزال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. =