كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 6)
فإذا دهم الكفار بلاد المسلمين فإن جهادهم ودفعهم حينئِذٍ فرض عين على أهل الوجوب من تلك البلاد، كلٌّ على قدر طاقته لإجماع المسلمين (¬1).
• وممن نقل الإجماع: أبو بكر الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور (¬2) من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم فخافوا على بلادهم، وأنفسهم، وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة؛ إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم) (¬3).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة الإسلام (¬4) وقراهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين) (¬5).
وإمام الحرمين (478 هـ) حيث يقول: (فأما إذا وطئ الكفار ديار الإسلام فقد اتفق حملة الشريعة قاطبة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا ويطيروا إلى مدافعتهم زَرَافاتٍ) (¬6).
والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر (¬7) فإذا وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا
¬__________
= كتاب: "الجهاد في الإسلام بين الطلب والدفاع"، وغيرهما مما لا يتسع المجال لبسط ردودهم هنا. وسأذكر بمشيئة اللَّه في المرحلة الأخيرة من مراحل تشريع الجهاد الأدلة من الكتاب والسنة واتفاق الفقهاء على أن الجهاد ليس للدفاع فقط؛ للرد على مثل هذا القول.
(¬1) وهذا النوع من الجهاد قال ابن القيم عنه في "الفروسية" (ص 187): "أصعب من جهاد الطلب، فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل، ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه".
(¬2) الثُّغُور: جمع ثَغْر وهو موضع المخافة من العدو. وهي البلاد المتاخمة للعدو من المشركين وأهل الكتاب التي يُخيف العدو أهلها ويُخيف أهلها العدو. انظر: "طلبة الطلبة" (ص 178).
(¬3) "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 312).
(¬4) بيضة الإسلام: مجتمعه وحوزته على طريق الاستعارة والتشبيه. انظر: "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب" (ص 498)، و"معجم مقاييس اللغة" (1/ 326).
(¬5) "مراتب الإجماع" (ص 200).
(¬6) "غياث الأمم" (1/ 191). ومعنى الزَّرافات: الجماعات. انظر: "لسان العرب" (9/ 133)، مادة (زرف).
(¬7) العقر: من قولهم: عقر الدار وهي أصلها، وقيل: وسطها. انظر: "لسان العرب" (4/ 591)، مادة (عقر).