كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 6)
الحقوق لهم تجاه المسلمين، ولقد أمر اللَّه في مواطن كثيرة بالوفاء بالعهود، وأداء الأمانات، ومنها قول اللَّه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل: 91]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58].
2 - عن صفوان بن سُليم، أخبرَ عن عِدَّةٍ من أبناء أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن آبائهم دِنْيَةً (¬1)، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصهُ، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة" (¬2).
3 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال في وصيته عند موته: "أوصي الخليفة من بعدي بكذا وكذا، وأوصيه بذمة اللَّه عز وجل، وذمة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- خيرًا: أن يُقاتل من ورائهم، وأن لا يُكلَّفُوا فوق طاقتهم" (¬3).Rأن الإجماع متحقق على أن عقد الذمة يرتب للذمي الحق في عصمة دمه وماله وأهله، والدفاع عنه، وتحريم ظلمه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه أعلم.
[225/ 7] لأهل الذمة الحرية في البقاء على دينهم:
• المراد بالمسألة: أن مما يتصل بحقوق أهل الذمة، هو حريتهم العقدية، وممارسة شعائر دينهم بلا مجاهرة، وعدم إكراههم في الدخول في الإسلام، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمع أهل العلم، لا خلاف بينهم ولا تنازع، على أن أهل الذمة من اليهود والنصارى، إن سألوا الإقرار على
¬__________
(¬1) دِنيَةً، قال السيوطي: "بكسر الدال المهملة، وسكون النون، وفتح الياء المثناة التحتية". والمعنى: لاصقي النَّسَب. انظر: "عون المعبود" (8/ 304).
(¬2) أخرجه أبو داود في "سننه"، في كتاب الخراج، باب في الذمي يسلم في بعض السَّنة، هل عليه جزية؟ (3/ 171، رقم 3052)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 205)، قال الحافظ العراقي في "فتح المغيث" (4/ 4): (وهذا إسناد جيد وإن كان فيه من لم يسم، فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة).
(¬3) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون (3/ 1111، برقم 2887).