كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 6)

لقد أنعم الله على عباده ففجَّر لهم مكنوز الأرض، وفتح لهم أبوابَ السماء .. فاتخذوا من نعمِ الله وسائل للكفرِ والتمردِ على شرعه -إلا من رحم الله- وانتشر الظلمُ والفساد، وكثر القتل والتشريد، وأصبحت لغةُ القوة لغة التخاطب، وبها يأكل القويُّ الضعيف -وربّك يرى ويسمع ويمهل ولا يُهمل، يسبق حلمُه غضبَه، ولكن أخْذَه أليمٌ شديد: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (¬1).
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (¬2).
أيها المسلمون: ويختلف أهلُ الإيمان عن أهل الكفر والفسوق والظلمِ والعدوان في نظرتهم لهذه الكوارث والأحداث الكونية، فإذا أصابت الغفلةُ القومَ الكافرين - {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (¬3) - فأهل الإسلام والإيمان لهم نظرةٌ أخرى وميزانٌ آخر، تخوّفهم الآيات والنُّذُر، ويربطون بينها وبين كثرة المعاصي والذنوب، وفي كتاب ربهم العزيز: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (¬4).
ويقولُ أحدُ علمائهم الربانيين -شيخ الإسلام -: ومن المعلوم بما أرانا الله من
¬_________
(¬1) سورة هود، الآية: 117.
(¬2) سور القصص، الآية: 58.
(¬3) سورة الأعراف، الآية: 179.
(¬4) سورة الشورى، الآية: 30.

الصفحة 247