كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 6)

قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: ولهذا كان إجماعُ هذه الأمة حجةً؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم يأمرون بكل معروفٍ وينهون عن كل منكر -هذا شيء- وشيء آخر أن الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر، سمةٌ تميز أمةَ الإسلام عن غيرها من سائر الأمم. وعن ذلك قال شيخ الإسلام: وسائرُ الأمم لم يأمروا كلَّ أحدٍ بكلِّ معروف، ولا نهوا كلَّ أحدٍ عن كل منكر، ولا جاهدوا على ذلك، بل منهم من لم يجاهد، والذين جاهدوا كبني إسرائيل، فعامةُ جهادهم كان لدفع عدوِّهم عن أرضهم كما يُقاتلُ الصائلُ الظالم، لا لدعوة المجاهدين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فطائفة منهم قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} (¬1)، والذين جاؤوا من بعد موسى علَّلوا القتال بأنهم أخرجوا من ديارهم وأبنائهم (¬2).
ألا فحققوا -عباد الله- خيرية هذه الأمة وتميزها على الأمم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وحققوا الخيرية والتوبة لأنفسكم، وللناس من حولكم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عباد الله: وثمة فضائلُ ومزايا للأمر والنهي، بل وعقوباتٌ وآثارٌ سيئة مترتبة على تركه أو التخاذل في أدائه، وهناك فقهٌ للأمر والنهي وآدابٌ وصفات للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وإضافة إلى ذلك فهناك شبهات حرية بالبيان .. وهذه الأمور كلُها تحتاج إلى حديث آخر في خطبة متممة لهذه الخطبة -أسأل الله الإعانة والتسديد، وأعوذ بالله من فتنة القول وفتنة العمل.
¬_________
(¬1) سورة المائدة، الآية: 24.
(¬2) الفتاوى 28/ 123 - 125 بشيء من التصرف.

الصفحة 273