كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 6)

ومن آثار تركه على الفرد اسودادُ قلبه وتنكيسه، وفي الحديث الصحيح: ((تُعرض الفتنُ على القلوب كالحصير عودًا عودًا. فأيُّ قلبٍ أشربها نُكت فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نكت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصير (القلوبُ) على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ مادامت السماواتُ والأرض، والآخر أسود مُربادّ كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه)) (¬1).
يا عبد الله: انجُ بنفسك، وساهم في حماية سفينة المجتمع من الغرق وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحذر الحذر من أن تُرضي الناس بسخط الله، فيسخط عليك، ويُسخط الناس عليك، بل أرضِ الله ولو سخط الناسُ عليك، فإن رضا الله عنك سببٌ لرضا الناس عليك.
عباد الله: تواصوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة، ولا يَقعدنَّ بأحدكم عن الأمر والنهي ما يجده في نفسه من ضعف أو قصور، فكلُّ ابن آدم خطاءٌ .. ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها؟ ولو لم يعظ الناس إلا كاملٌ ورعٌ تقيٌّ نقيٌّ، فمن يعظ العاصين بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟
ومن عجائب خلق الله أنك قد ترى شخصًا هاجسه الأمر والنهي أينما حلَّ وارتحل، وقد يكون نصيبه من العلم قليلًا.
وترى شخصًا آخر لا يرفع بذلك رأسًا، حتى وإن أبصر المنكر عيانًا، أو أتيحت له الفرصة لقول المعروف، وقد يكون نصيبه من العلم كثيرًا ومؤهلاته عالية، ولكنه فضل الله، والفرق بين الناس في الغيرة، ونعيذ هؤلاء أن يكونوا كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
¬_________
(¬1) رواه مسلم 1/ 89.

الصفحة 293