كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 6)

للنساء، وهو مسطورٌ في أصح الكتب بعد كتاب الله ففي «صحيح البخاري» وفي أول كتاب منه (بدء الوحي) جاء حديث خديجة حين جاءها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يرجفُ فؤاده ويقول: «زمِّلوني زمِّلوني»، فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوع، ثم قال لخديجة: «لقد خشيت على نفسي» وأخبرها بنزول الوحي عليه لأولِ مرة، فكان ردُّ خديجةَ رضي الله عنها: كلا والله ما يخزيك اللهُ أبدًا، إنك لتصلُ الرحمَ، وتحمل الكلَّ، وتكسبُ المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان على صلةٍ بأهلِ الكتابِ ومعرفةٍ بالنبوات .. فزاد من طمأنينة النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث (¬1).
أجل، لقد احتفظ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكارم خديجة وقدَّرها حقَّ قدرها، وعبَّر عن ذلك بقوله: «والله لقد آمنتْ بي إذ كذّبني الناسُ، وآوتني إذ رفضني الناسُ، ورُزقتُ منها الولدَ .. » الحديث وإسناده حسن (¬2).
ولم يكن الإيمانُ والثباتُ وحسن العشرة والسابقةُ في الدين هي المناقب الوحيدة للمرأة الأولى في الإسلام، بل كان بذلُ المال في سبيل نشرِ الخير ونصرةِ الدين والإيناسُ والمواساةُ وتخفيفُ آلامِ المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك في عداد مناقب هذه السيدةِ الجليلة.
أيتها المرأة المسلمة: ولا تظني أن الالتزامَ بالدين في ظروفه الصعبة والانضمام إلى قافلةِ المؤمنين وهم يؤذون ويشردون، خاصٌّ بخديجة رضي الله عنها - رغم تفوقها وتقدمها في ذلك، فقد انضمّ إلى خديجة مجموعةٌ من النساء سبقن في إسلامهن، وصبرن على ما أصابهن في أيام الإسلام الأولى، ويكفي أن يُعلمَ أن عمرَ بن
¬_________
(¬1) الفتح 1/ 22.
(¬2) سير أعلام النبلاء 2/ 112، الإصابة 12/ 217.

الصفحة 4