الطائف أقام بنخلةَ أيامًا، فقال له زيدُ بنُ حارثة رضي الله عنه: كيف تدخل عليهم وهم قد أخرجوك؟ فقال: «يا زيد إن الله جاعلٌ لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله مظهرُ دينه وناصرُ نبيِّهُ .. » (¬1).
ويستمر هذا الشعورُ الواثقُ بنصر اللهِ ومعيَّته، وأقدامُ المشركين تطأ فم الغار الذي يختبئ فيه وصاحبهُ، وحين قال أبو بكر: يا نبي الله! والله لو أن أحدهم أبصر موطن قدمه لرآنا، أجابه الرسولُ صلى الله عليه وسلم بكل ثقة: «يا أبا بكر ما ظنُّكَ باثنين اللهُ ثالثُهما»؟ ! ، وصدق الله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (¬2).
وفي طريق الهجرة وقريشٌ تلاحق محمدًا صلى الله عليه وسلم وتضع الجوائز لمن يجيء به، يُدرك سراقةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويقول أبو بكر: قد لحقنا يا رسولَ الله! فيقولُ لأبي بكر -مرة أخرى -: «لا تحزن إن الله معنا» (¬3).
فإن قلتَ -يا أخا الإسلام -: ذاك رسولُ الله المؤيدُ بوحيه والمُطلع على غيبه! قيل لك: ذاك حقٌ .. ولكنا مكلفون بالاقتداءِ به: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (¬4).
وحفظُ اللهِ ومعيتُه، والثقة بنصرهِ، وتمامُ التوكل عليه، ليست خاصة بالمرسلين: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (¬5).
¬_________
(¬1) 1/ 216.
(¬2) سورة التوبة: الآية 40.
(¬3) رواه البخاري ح 3652.
(¬4) سورة الأحزاب: الآية 21.
(¬5) سورة النحل: الآية 128.