كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

(وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ): وما عرفوه حق معرفته في الرحمة على عباده، واللطف بهم حين أنكروا بعثة الرسل والوحى إليهم، وذلك من أعظم رحمته وأجلّ نعمته، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، [الأنبياء: 107]، أو: ما عرفوه حق معرفته في سخطه على الكافرين، وشدّة بطشه بهم، ولم يخافوه حين جسروا على تلك المقالة العظيمة من إنكار النبوّة.
والقائلون هم اليهود،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهاء الإضمار". وقال الزجاج: "المختار أن يوقف عند هذه الهاء". وروى صاحب "الكشف" عن أبي علي: "أن الهاء كناية عن المصدر، أي: اقتد اقتداءً".
قوله: (أو: ما عرفوه حق معرفته في سخطه على الكافرين)، يريد أن كلا من المعلق والمعلق به، يعني: (إذْ قَالُوا)، (ومَا قَدَرُوا اللَّهَ) يحتمل معنيين مختلفين، وذلك أن قوله: (ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) يحتمل أن يكون صفة لطفٍ وصفة قهر، فإذا فسر باللطف جعل (إذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ) إنكاراً منهم لرحمته، لأن بعثة الرسل من جلائل نعمته، وعظائم رأفته، وإذا فسر بالقهر جعل قولهم جسارة على جحود حكمته، لحلول نقمته.
قوله: (والقائلون هم اليهود)، وبيان النظم أنه تعالى لما وصف أمة محمد صلوات الله عليه بقوله: (فَإن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، وأنهم الذين قاموا بحقوق جميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء، ووفقوا بالإيمان بكلها، وبحفظ مقتضاها، استطرد

الصفحة 157