كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
بدليل قراءة من قرأ: (تَجْعَلُونَهُ) بالتاء، وكذلك (تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ)، وإنما قالوا ذلك مبالغةً في إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر اليهود، وأنهم على ضد ذلك، حيث طعنوا على الكتب المنزلة، وحرفوا التوراة وغيروها، وكتموا بعضها.
وأما إذا أريد بالقوم: الأنبياء، وهو الوجه كما سبق، فالمعنى: أنهم الذين يعرفون الله، وجلال سلطانه، وكمال حكمته في إنشاء خلقه، لأنه تعالى ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وهو أن يعبد حق عبادته، ويعرف حق معرفته، وذلك لا يتم إلا بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، لإرشاد الخلق إلى ما خلقوا لأجله، وهؤلاء اليهود (ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ).
قوله: (بدليل قراءة من قرأ: (تَجْعَلُونَهُ) بالتاء) الفوقانية: كلهم إلا ابن كثير وأبا عمرو. واعلم أن القراءة بالتاء الفوقانية تدل دلالة ظاهرةً على أن القائلين لقوله: (مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) هم اليهود، لأنهم هم الذين غيروا التوراة ونقضوها، وأما بالياء على هذا فمحمولة على الالتفات، كأنهم جعلوا بعداً لتلك الفعلة القبيحة، ويكون قوله: (وعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا) في موضع الحال في ضمير الفاعل في (تَجْعَلُونَهُ)، والمعنى: تجعلونه ذا قراطيس والحال من أنكم علمتم على لسان محمد صلي الله عليه وسلم، مما أوحي من تصديق كتابكم (مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ ولا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ)، كما أومأ إليه المصنف.