كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
فألزموا ما لا بدّ لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى عليه السلام، وأدرج تحت الإلزام توبيخهم وأن نعى عليهم سوء حملهم لكتابهم، وتحريفهم، وإبداء بعضٍ وإخفاء بعض، فقيل: (جاءَ بِهِ مُوسى) وهو نورٌ وهدى للناس حتى غيروه ونقصوه وجعلوه قراطيس مقطعةً وورقاتٍ مفرقة، ليتمكنوا مما راموا من الإبداء والإخفاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن القراءة بالياء التحتانية ظاهرة على أن القائلين المشركون، كما قال: "وقيل: القائلون المشركون، وقد ألزموا إنزال التوراة"، فعلى هذا: (وعُلِّمْتُم): عطف على (أُنزِلَ الكِتَابُ) من حيث المعنى، أي: قل من أنزل التوراة؟ ومن علمكم ما لم تعلموا؟ وتقديره أنهم لما قالوا: (مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) قيل لهم: ما الكتاب المنزل على موسي واليهود يفعلون به، ويصنعون ما ذكر؟ وما ذلك الكتاب الذي عرفتموه؟ حيث تحديتم به وأنتم فرسان البيان، وزعماء الحوار، فما قدرتم على الإتيان بأقصر سورةٍ منه، فعرفتم أنه حق وصدق. ثم جيء بقوله: (قُلِ اللهُ) إلزاماً لهم وتبكيتاً.
وأما توجيه القراءة بالتاء الفوقانية على هذا فمشكل، لعل القائل به يتمحل، ويقول: إنهم لما كانوا يسمعون من اليهود، وكانوا راضين بفعلهم، خوطبوا بذلك، والله أعلم.
قوله: (وأدرج تحت الإلزام توبيخهم) يعني: كان من حق الظاهر أن يقال: قل: ما التوراة؟ ثم من أنزل التوراة؟ فإنه كان في الإلزام، فعدل إلى قوله: (الْكِتَابَ)، ووصفه باسم الموصول، وجعل صلته ما ينبئ عن التوبيخ والنعي، على سبيل الإدماج.
وبيانه أنه تعالى وصف الكتاب أولاً بالتعظيم والتفخيم، فذكر النبي المكرم، وجعله نوراً وهدى للناس كافة، ثم أتي بقوله: (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ)، على سبيل الاستئناف، لبيان