كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
فإن قلت: المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفا وجب تأخيره. فلم جاز تقديمه في قوله: (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)؟ قلت: لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة، كقوله: (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) [البقرة: 221].
فإن قلت: الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد، ولي عبدٌ كيس، ........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واعلم أن قطب هذه السورة الكريمة يدور مع إثبات الصانع، ودلائل التوحيد وما يتصل بها. انظر كيف جعل احتجاج الخليل على قومه، ومآله إلى قوله: {إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفًا {[الأنعام: 78 - 79]. وكيف أوقع أمر حبيبه صلوات الله عليه بقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ {[الأنعام: 90] بعد ذكر معظم الأنبياء واسطة العقد، ولجة بحر التوحيد! ثم تفكر في قوله: {قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ {[الأنعام: 162 - 163] كيف جاءت خاتمة لها! فسبحان من له تحت كل سورةٍ من كتابه كريم، بل كل آيةٍ وكلمةٍ، أسرار ينفد دون نفاد بيانها الأبحر!
قوله: (الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد). هذا السؤال غير واردٍ على القياس اللغوي، لأنهم إنما يوجبون تقديم الظرف إذا لم يكن المبتدأ مخصصاً، كما سبق في الكتاب. وعليه كلام صاحب "المفتاح" حيث قال: "ولا يجب التقديم على المنكر إذا كان موصوفاً. قال تعالى: {وأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ {[الأنعام: 2]. ولكن وارد على استعمال الفصحاء فإنهم أوجبوا التقديم ولو كان مخصصاً"، ولهذا قال: "الكلام السائر".
الصفحة 16
744