كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

(وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) الخطاب لليهود، أي: علمتم على لسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم مما أوحي إليه ما لم تعلموا أنتم، وأنتم حملة التوراة، ولم تعلمه آباؤكم الأقدمون الذين كانوا أعلم منكم، (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [النمل: 76]. وقيل: الخطاب لمن آمن من قريش، كقوله تعالى: (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم) [يس: 6].
(قُلِ اللَّهُ) أي: أنزله الله، فإنهم لا يقدرون أن يناكروك، (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) في باطلهم الذي يخوضون فيه، ولا عليك بعد إلزام الحجة. ويقال لمن كان في عملٍ لا يجدى عليه: إنما أنت لاعب.
و(يَلْعَبُونَ) حالٌ من (ذرهم)، أو من (خوضهم)، ويجوز أن يكون (فِي خَوْضِهِمْ) حالاً من (يلعبون)، وأن يكون صلةً له أو لـ (ذرهم).
[(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فإنهم لا يقدرون أن يناكروك) أي: قوله: (قُلِ اللهُ)، بمعنى: قل: الله (أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى) إلى آخره، تبكيت وإلزام وإشعار بأن الجواب متعين لا يمكن غيره، وتنبيه على أنهم مبهوتون، لا يقدرون على الجواب، ولهذا عقبه بقوله: (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).
قوله: (و (يَلْعَبُوَن): حال من (ذَرْهُمْ) أو من (خَوْضِهِمْ)، أو (فيِ خَوْضِهِمْ) حال من (يَلْعَبُونَ)). وفي كلامه توسع، لأن المراد: حال من الضمائر على التقادير، وهي حال مؤكدة، كقوله تعالى: (ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة: 60].

الصفحة 162