كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرحٍ القرشي، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أملى عليه: "سميعاً عليماً"، كتب هو: "عليماً حكيماً"، وإذا قال عليماً حكيماً، كتب: "غفوراً رحيماً، فلما نزلت: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون: 12] إلى آخر الآية، عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتبها، فكذلك نزلت"، فشك عبد الله وقال: لئن كان محمدٌ صادقاً لقد أوحي إليّ مثل ما أوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلت مثل ما قال، فارتدّ عن الإسلام، ولحق بمكة، ثم رجع مسلماً قبل فتح مكة.
وقيل: هو النضر بن الحرث والمستهزئون.
(وَلَوْ تَرى) جوابه محذوف، أي: رأيت أمراً عظيماً، (إِذِ الظَّالِمُونَ) يريد: الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة، فتكون اللام للعهد، ويجوز أن تكون للجنس، فيدخل فيه هؤلاء لاشتماله، و (غَمَراتِ الْمَوْتِ): شدائده وسكراته، وأصل الغمرة: ما يغمر من الماء، فاستعيرت للشدّة الغالبة.
(باسِطُوا أَيْدِيهِمْ): يبسطون إليهم أيديهم يقولون: هاتوا أرواحكم، أخرجوها إلينا من أجسادكم. وهذه عبارةٌ عن العنف في السياق، والإلحاح، والتشديد في الإزهاق، من غير تنفيسٍ وإمهال،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجال، خصوصاً الأنبياء، وكونهما في يديه دل على شخصين ينازعانه فيما يتقوى به من الرسالة والنبوة، كقوله تعال: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) [القصص: 35]، ولا يكونان إلا كذابين. وقال التوربشتي: "نبه بنفخهما على استحقار شأنهما، وأنهما يمحقان بأدنى ما يصيبهما من بأس الله".
قوله: (عبارة عن العنف) أي: كناية، لا أن ثمة تبسط الأيدي.

الصفحة 165