كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)

فإن قلت: (كما خلقناكم)، في أي: محلٍّ هو؟ قلت: في محل النصب صفة لمصدر (جئتمونا)، أي: مجيئاً مثل خلقنا لكم.
(تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ): وقع التقطع بينكم، كما تقول: جمع بين الشيئين، تريد: أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل، ومن رفع فقد أسند الفعل إلى الظرف، كما تقول: قوتل خلفكم وأمامكم. وفي قراءة عبد الله: "لقد تقطع ما بينكم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فرادى" بالألف بغير تنوين، جمع "فردان"، أي: كـ"سكارى" و "سكران".
قوله: (أي: مجيئاً مثل خلقنا لكم). المجيء: عبارة عن خلق الله إياهم ثانياً، فهو مثل خلقه إياهم أولاً. ونحوه قوله تعالى: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف: 29].
قال القاضي: لقد جئتمونا للحساب والجزاء، منفردين عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا، (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، أي: على الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد. فعلى هذا (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ): بدل من (فُرَادَى) أو حال ثانية إن جوز التعدد فيها، أو حال من الضمير في (فُرَادَى)، أي: مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غرلاً. أو صفة مصدر؛ كما قال المصنف، والأحسن للتأليف أن يكون حالاً من الضمير في (فُرَادَى) معنى ولفظاً.
قال أبو البقاء: (أَوَلَ): ظرف لـ (خَلَقْنَاكُمْ). والمرة، في الأصل، مصدر مر يمر، ثم استعمل ظرفاً اتساعاً. وهذا يدل على قوة شبه الزمان بالفعل".
قوله: (وقع التقطع بينكم). قال القاضي: "البين: من الأضداد، يستعمل في الوصل والفصل. وقيل: هو الظرف أسند إليه الفعل على الاتساع، والمعنى: وقع التقطع بينكم. ويشهد

الصفحة 168