كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 6)
(إلا كانوا عنه معرضين): تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأساً، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب.
(فَقَدْ كَذَّبُوا) مردودٌ على كلامٍ محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات، فقد كذبوا بما هو أعظم آيةٍ وأكبرها، وهو الحق، (لَمَّا جاءَهُمْ) يعني: القرآن الذي تحدّوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه، (فَسَوْفَ يَاتِيهِمْ أَنْباءُ) الشيء الذي (كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو القرآن، أي: أخباره وأحواله، بمعنى: سيعلمون بأي: شيءٍ استهزؤوا، وسيظهر لهم أنه لم يكن بموضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة، أو عند ظهور الإسلام وعلوّ كلمته.
[(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَانا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مردود على كلامٍ محذوف)، أي: شرطٍ محذوف، ونحوه قول الشاعر:
قالوا: خراسان أقصى ما يراد بنا ... ثم القفول، فقد جئنا خراسانا
أي: إن صح ما قلتم من أن خراسان المقصد، فقد جئنا، وأين لنا الخلاص؟
قوله: (أو عند ظهور الإسلام). فإن قلت: اتصال قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم {بما قبله على أن المراد بالأنباء في قوله: {فَسَوْفَ يَاتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ {ظاهر، لمناسبة الاعتبار بنزول العذاب على الأمم السالفة بالتهديد والوعيد. فما وجه اتصاله به إذا أريد به ما قال: "عند ظهور الإسلام"؟
الصفحة 23
744